المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٥١٦
وفي بسط قصصهما طول فاختصرته واقتصرت على معناه لقلة صحته ولأن في هذا ما يفي بفهم الآية وتأمل هذه الهيئة التي ذكر الله فإن المرء لا يكاد يتخيل أجمل منها في مكاسب الناس جنتا عنب أحاط بهما نخل بينهما فسحة هي مزدرع لجميع الحبوب والماء الغيل يسقى جميع ذلك من النهر الذي قد جمل هذا المنظر وعظم النفع وقرب الكد وأغنى عن النواضح وغيرها.
وقرأ الجمهور كلتا وفي مصحف عبد الله كلا والتاء في كلتا منقلبة من واو عند سيبويه وهو بالتاء أو بغير التاء اسم مفرد واقع على الشيء المثنى وليس باسم مثنى ومعناه كل واحدة منهما والأكل ثمرها الذي يؤكل منها قال القراء وفي قراءة ابن مسعود كل الجنتين آتى أكله وقوله * (ولم تظلم منه شيئا) * أي لم تنقص عن العرف الأتم الذي يشبه فيها ومنه قول الشاعر (تظلمني مالي كذا ولوى يدي * لوى يده الله الذي هو غالبه) الطويل وقرأ الجمهور وفجرنا بشد الجيم وقرأ سلام ويعقوب وعيسى بن عمر وفجرنا بفتح الجيم دون شد وقرأ الجمهور نهرا بفتح الهاء.
وقرأ أبو السمال والفياض بن غزوان وطلحة بن سليمان نهرا بسكون الهاء وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي وابن عباس ومجاهد وجماعة قراء المدينة ومكة ثمر و بثمره بضم الثاء والميم جمع ثمار وقرأ أبو عمرو والأعمش وأبو رجاء بسكون الميم فيهما تخفيفا وهي في المعنى كالأولى ويتجه أن يكون جمع ثمرة كبدنة وبدن وقرأ عاصم ثمر وبثمره يفتح الميم والثاء فيهما وهي قراءة أبي جعفر والحسن وجابر بن زيد والحجاج واختلف المتأولون في الثمر بضم الثاء والميم فقال ابن عباس وقتادة الثمر جميع المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك ويستشهد لهذا القول ببيت النابغة الذبياني (وما أثمر من مال ومن ولد *) البسيط وقال مجاهد يراد بها الذهب والفضة خاصة وقال ابن زيد (الثمر) هي الأصول التي فيها الثمر.
قال القاضي أبو محمد كأنها ثمار وثمر ككتاب وكتب وأما من قرأ بفتح الثاء والميم فلا إشكال في أن المعنى ما في رؤوس الشجر من الأكل ولكن فصاحة الكلام تقتضي أن يعبر إيجازا عن هلاك الثمر والأصول بهلاك الثمر فقط فخصصها بالذكر إذ هي مقصود المستغل وإذ هلاك الأصول إنما يسوء منه هلاك الثمر الذي كان يرجى في المستقبل كما يقتضي قوله إن له ثمرا إن له أصولا كذلك تقتضي الإحاطة المطلقة بالثمر أن الأصول قد هلكت وفي مصحف أبي وآتيناه ثمرا كثيرا وقرأ أبو رجاء وكان له ثمر بفتح الثاء وسكون الميم والمحاورة مراجعة القول وهو من حار يحور.
واستدل بعض الناس من قوله * (وأعز نفرا) * على أنه لم يكن أخاه وقال المناقض أراد ب النفر العبيد والخول إذ هم الذين ينفرون في رعائبه وفي هذا الكلام من الكبر والزهو والاغترار ما بيانه يغني عن القول فيه وهذه المقالة بإزاء قول عيينة والأقرع للنبي صلى الله عليه وسلم نحن سادات العرب وأهل الوبر والمدر فنح عنا سلمان وقرناءه.
قوله عز وجل الكهف 35 - 39
(٥١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 511 512 513 514 515 516 517 518 519 520 521 ... » »»