المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٥١١
يوالهم غيره بتلطف لهم ولا اشترك معه أحد في هذا الحكم ويحتمل أن يعود الضمير في * (لهم) * على معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفار ومشاقيه وتكون الآية اعتراضا بتهديد وقرأ الجمهور ولا يشرك في حكمه أحدا بالياء من تحت على معنى الخبر عن الله تعالى وقرأ ابن عامر والحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري ولا تشرك بالتاء من فوق على جهة النهي للنبي صلى الله عليه وسلم ويكون قوله ولا تشرك عطفا على * (أبصر) * * (واسمع) * وقرأ مجاهد ولا يشرك بالياء من تحت وبالجزم قال يعقوب لا أعرف وجهه وحكى الطبري عن الضحاك بن مزاحم أنه قال نزلت هذه الآية " ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة " فقط فقال الناس هي أشهر أم أيام أم أعوام فنزلت * (سنين وازدادوا تسعا) * وأما هل دام أهل الكهف وبقيت أشخاصهم محفوظة بعد الموت فاختلفت الروايات في ذلك فروي عن ابن عباس أنه مر بالشام في بعض غزواته مع ناس على موضع الكهف وجبله فمشى الناس إليه فوجدوا عظاما فقالوا هذه عظام أصحاب الكهف فقال لهم ابن عباس أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدة طويلة فسمعه راهب فقال ما كنت أحسب أن أحدا من العرب يعرف هذا فقيل له هذا ابن عم نبينا فسكت وروت فرقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليحجن عيسى ابن مريم ومعه أصحاب الكهف فإنهم لم يحجوا بعد.
قال القاضي أبو محمد وبالشام على ما سمعت من ناس كثير كهف كان فيه موتى يزعم محاويه أنهم أصحاب الكهف وعليهم مسجد وبناء يسمى الرقيم ومعهم كلب رمة وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة وأكثرهم قد انجرد لحمه وبعضهم متماسك وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم إشارة ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف دخلت إليهم فرأيتهم سنة أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة وعليهم مسجد وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم كأنه قصر محلق قد بقي بعض جدرانه وهو في فلاة من الأرض حزنة وبأعلى حضرة غرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة رومية يقال لها مدينة دقيوس وجدنا في آثارها غرائب في قبور ونحوها.
قال القاضي أبو محمد وإنما استسهلت ذكر هذا مع بعده لأنه عجب يتخلد ذكره ما شاء الله عز وجل وقوله * (واتل ما أوحي إليك) * الآية من قرأ ولا تشرك بالنهي عطف قوله * (واتل) * عليه ومن قرأ ولا يشرك جعل هذا أمرا بدئ به كلام آخر ليس من الأول وكأن هذه الآية في معنى الإعتاب للنبي صلى الله عليه وسلم عقب العتاب الذي كان تركه الاستثناء كأنه يقول هذه أجوبة الأسئلة فاتل وحي الله إليك أي اتبع في أعمالك وقيل اسرد بتلاوتك ما أوحي إليك من كتاب ربك لا نقض في قوله " ولا مبدل لكلماته " وليس لك سواه جانب تميل إليه وتستند والملتحد الجانب الذي يمال إليه ومعنى اللحد كأنه الميل في أحد شقي القبر ومنه الإلحاد في الحق وهو الميل عن الحق ولا يفسر قوله * (لا مبدل لكلماته) * أمر النسخ لأن المعنى إما أن يكون لا مبدل سواه فتبقى الكلمات على الإطلاق وإما أن يكون أراد من الكلمات الخبر ونحوه مما لا يدخله نسخ والإجماع أن الذي لا يتبدل هو الكلام القائم بالذات الذي بحسبه يجري القدر.
فأما الكتب المنزلة فمذهب ابن عباس أنها لا تبدل إلا بالتأويل.
(٥١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 506 507 508 509 510 511 512 513 514 515 516 ... » »»