عليه ونكتة ذلك المعنى إنما هي أن التعذيب إنما يعن إذا كان البكاء من سنة الميت وسببه كما كانت العرب تفعل وقوله * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * قالت فرقة هي الجمهور هذا في حكم الدنيا أي إن الله لا يهلك أمة بعذاب إلا من بعد الرسالة إليهم والإنذار وقالت فرقة هذا عام في الدنيا والآخرة.
قال القاضي أبو محمد وتلخيص هذا المعنى أن مقصد الآية في هذه الموضع الإعلام بعادة الله مع الأمم في الدنيا وبهذا يقرب الوعيد من كفار مكة ويؤيد هذا ما يجيء بعد من وصفه ما يكون عند إرادته إهلاك قرية ومن إعلامه بكثرة ما أهلك من القرون ومع هذا فالظاهر من كتاب الله في غير هذا الموضع ومن النظر أن الله تعالى لا يعذب في الآخرة إلا بعد بعثة الرسل كقوله تعالى * (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى) * وظاهر * (كلما) * الحصر وكقوله تعالى * (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) * وأما من جهة النظر فإن بعثة آدم عليه السلام بالتوحيد وبث المعتقدات في نبيه مع نصب الأدلة الدالة على الصانع مع سلامة الفطر يوجب على كل أحد من العالم الإيمان واتباع شريعة الله ثم تجدد ذلك في مدة نوح عليه السلام بعد غرق الكفار وهذه الآية أيضا يعطي احتمال ألفاظها نحو هذا ويجوز مع الفرض وجود قوم لم تصلهم رسالة وهم أهل الفترات الذين قد قدر وجودهم بعض أهل العلم وأما ما روي من أن الله تعالى يبعث إليهم يوم القيامة وإلى المجانين والأطفال فحديث لم يصح ولا يقتضيه ما تعطيه الشريعة من أن الآخرة ليست دار تكليف وقوله * (وإذا أردنا أن نهلك قرية) * الآية في مصحف أبي بعثنا أكابر مجرميها والقرية المدينة المجتمعة مأخوذ من قريت الماء في الحوض إذا جمعته وليست من قرأ الذي هو مهموز وإن كان فيها جمعا معنى الجمع وقرأ الجمهور أمرنا على صيغة الماضي من أمر ضد نهى وقرأ نافع وابن كثير في بعض ما روي عنهما آمرنا بمد الهمزة بمعنى كثرنا ورويت عن الحسن وهي قراءة علي بن أبي طالب وابن عباس بخلاف عنه وعن الأعرج وقرأ بها ابن إسحاق تقول العرب أمر القوم إذا كثروا وآمرهم الله بتعدي الهمزة وقرأ أبو عمرو بخلاف أمرنا بتشديد الميم وهي قراءة أبي عثمان النهدي وأبي العالية وابن عباس ورويت عن علي بن أبي طالب وقال الطبري القراءة الأولى معناها أمرناهم بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها وهو قول ابن عباس وابن جبير والثانية معناها كثرناهم والثالثة هي من الإمارة أي ملكناهم على الناس قال القاضي أبو محمد قال أبو علي الفارسي الجيد في آمرنا أن تكون بمعنى كثرنا فتعدي الفعل بلفظة غير متعد كما تقول رجع ورجعته وشتر عينه وشترتها فتقول آمر القوم وآمرهم الله أي كثرهم قال وآمرنا مبالغة في أمرنا بالهمزة وأمرنا مبالغة فيه بالتضعيف ولا وجه لكون أمرنا من الإمارة لأن رياستهم لا تكون إلا واحدا بعد واحد والإهلاك إنما يكون في مدة واحد منهم.
قال القاضي أبو محمد وينفصل عن هذا الذي قاله أبو علي بأن الأمر وإن كان يعم المترف وغيره فخض المترف بالذكر إذ فسقه هو المؤثر في فساد القرية وهم عظم الضلالة وسواهم تبع لهم وأما أمرنا من الإمارة فمتوجه على وجهين أحدهما أن لا يريد إمارة الملك بل كونهم يأمرون ويؤتمر لهم فإن العرب تقول لمن يأمر الإنسان وإن لم يكن ملكا هو أميره ومنه قول الأعشى (إذا كان هادي الفتى في البلاد * صدر القناة أطاع الأميرا) المتقارب