المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٠٧
عموم في اللفظ يراد به الخصوص في كل ما هو خلق الله تعالى.
قال القاضي ابن الطيب وأبو المعالي وغيرهما من الأصوليين ويخرج عن ذلك صفات ذاته لا رب غيره والقرآن ووصف نفسه ب * (الواحد القهار) * من حيث لا موجود إلا به وهو في وجوده مستغن عن الموجودات لا إله إلا هو العلي العظيم.
قوله عز وجل سورة الرعد 17 صدر هذه الآية تنبيه على قدرة الله وإقامة الحجة على الكفرة به فلما فرغ ذكر ذلك جعله مثالا للحق والباطل والإيمان والكفر والشك في الشرع واليقين به.
وقوله * (أنزل من السماء ماء) * يريد به المطر والأودية ما بين الجبال من الإنخفاض والخنادق وقوله " بقدرها " يحتمل أن يريد بما قدر لها من الماء ويحتمل أن يريد بقدر ما تحتمله على قدر صغرها وكبرها.
وقرأ جمهور الناس بقدرها بفتح الدال وقرأ الأشهب العقيلي بقدرها بسكون الدال.
والزبد ما يحمله السيل من غثاء ونحوه وما يرمي به ضفتيه من الحباب الملتبك ومنه قول حسان بن ثابت (ما البحر حين تهب الريح شامية * فيغطئل ويرمي العبر بالزبد) والرابي المنتفخ الذي قد ربا ومنه الربوة.
وقوله * (ومما) * خبر ابتداء والابتداء قوله " زبد " و * (مثله) * نعت ل " زبد ".
والمعنى ومن الأشياء التي * (توقدون) * عليها ابتغاء الحلي وهي الذهب والفضة ابتغاء الاستمتاع بما في المرافق وهي الحديد والرصاص والنحاس ونحوها من الأشياء التي * (توقدون) * عليها فأخبر تعالى أن من هذه إذا أحمى عليها يكون " زبد " مماثل للزبد الذي يحمله السيل ثم ضرب تعالى ذلك مثالا ل " الحق والباطل " أي أن الماء الذي تشربه الأرض من السيل فيقع النفع به هو كالحق و " الزبد " الذي يجمد وينفش ويذهب هو كالباطل وكذلك ما يخلص من الذهب والفضة والحديد ونحوها هو كالحق وما يذهب في الدخان هو كالباطل.
وقوله * (في النار) * متعلق بمحذوف تقديره كائنا أو ثابتا كذا قال مكي وغيره ومنعوا أن يتعلق بقوله * (توقدون) * لأنهم زعموا ليس يوقد على شيء إلا وهو * (في النار) * وتعليق حرف الجر ب * (توقدون) * يتضمن تخصيص حال من حال أخرى.
وذهب أبو علي الفارسي إلى تعلقها ب * (توقدون) *
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»