المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٤٨
* (إني أرى في المنام أني أذبحك) *.
وحكيت حال ماضية ف * (أرى) * وهو مستقبل من حيث يستقبل النظر في الرؤيا.
(سبع بقرات سمان) يروى أنه قال رأيتها خارجة من نهر وخرجت وراءها * (سبع عجاف) * فرأيتها أكلت تلك السمان حتى حصلت في بطونها ورأى السنابل أيضا كما ذكر والعجاف التي بلغت غاية الهزال ومنه قول الشاعر (ورجال مكة مسنتون عجاف *) الكامل ثم قال لجماعته وحاضريه * (يا أيها الملأ أفتوني) *.
قرأت فرقة بتحقيق الهمزتين وقرأت فرقة بأن لفظت بألف أفتوني واوا.
وقوله * (للرؤيا) * دخلت اللام لمعنى التأكيد والربط وذلك أن المفعول إذا تقدم حسن في بعض الأفعال أن تدخل عليه لام وإذا تأخر لم يحتج الفعل إلى ذلك.
وعبارة الرؤيا مأخوذة من عبر النهر وهو تجاوزه من شط إلى شط فكأن عابر الرؤيا ينتهي إلى آخر تأويلها.
وقوله * (قالوا أضغاث أحلام) * الآية الضغث في كلام العرب أقل من الحزمة وأكثر من القبضة من النبات والعشب ونحوه وربما كان ذلك من جنس واحد.
وربما كان من أخلاط النبات فمن ذلك قوله تعالى * (وخذ بيدك ضغثا) * وروي أنه أخذ عثكالا من النخل وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل نحو هذا في حد أقامه على رجل زمن ومن ذلك قول ابن مقبل (خود كأن فراشها وضعت به * أضغاث ريحان غداة شمال) الكامل ومن الأخلاط قول العرب في أمثالها ضغث على إبالة فيشبه اختلاط الأحلام باختلاط الجملة من النبات والمعنى أن هذا الذي رأيت أيها الملك اختلاط من الأحلام بسبب النوم ولسنا من أهل العلم بذلك أي بما هو مختلط ورديء فإنما نفوا عن أنفسهم عبر الأحلام لا عبر الرؤيا على الإطلاق وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا من الله والحلم من الشيطان.
وقال للذي كان يرى رأسه يقطع ثم يرده فيرجع إذا لعب الشيطان بأحدكم في النوم فلا يحدث بذلك.
قال القاضي أبو محمد فالأحلام وحدثان النفس ملغاة والرؤيا هي التي تعبر ويلتمس علمها.
والباء في قولهم * (بعالمين) * للتأكيد وفي قولهم * (بتأويل) * للتعدية وهي متعلقة بقولهم * (بعالمين) *.
و * (الأحلام) * جمع حلم يقال حلم الرجل بفتح اللام يحلم إذا خيل إليه في منامه والأحلام مما أثبتته الشريعة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا من الله وهي المبشرة والحلم المحزن من الشيطان فإذا رأى أحدكم ما يكره فليتفل على يساره ثلاث مرات وليقل أعوذ بالله من شر ما رأيت فإنها لا تضره.
وما كان عن حديث النفس في اليقظة فإنه لا يلتفت إليه.
ولما سمع الساقي الذي نجا هذه المقالة من الملك ومراجعة أصحابه تذكر يوسف وعلمه بتأويل الأحلام والرؤى فقال مقالته في هذه الآية.
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»