المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٦
بالتحليل والتحريم وروي عن ابن محيصن أنه قرأ ولا تبدلوا بإدغام التاء في التاء وجاز في ذلك الجمع بين ساكنين لأن أحدهما حرف مد ولين يشبه الحركة وقوله * (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) * استوى الأيتام في النهي عن أكل أموالهم كانوا ورثة ممنوعين من الميراث ومحجورين والآية نص في النهي عن قصد مال اليتيم بالأكل والتمول على جميع وجوهه وروي عن مجاهد أنه قال الآية ناهية عن الخلط في الإنفاق فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفقة أيتامها فنهوا عن ذلك ثم نسخ منه النهي بقوله * (وإن تخالطوهم فإخوانكم) * وقد تقدم ذكر هذا في سورة البقرة وقال ابن فورك عن الحسن إنه تأول الناس من هذه الآية عن الخلط فاجتنبوه من قبل أنفسهم فخفف عنهم في آية البقرة وقالت طائفة من المتأخرين * (إلي) * بمعنى مع وهذا غير جيد وروي عن مجاهد أن معنى الآية ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم قال القاضي أبو محمد وهذا تقريب للمعنى لا أنه أراد أن الحرف بمعنى الآخر وقال الحذاق * (إلي) * هي على بابها وهي تتضمن الإضافة التقدير لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم في الأكل كما قال تعالى * (من أنصاري إلى الله) * أي من ينضاف إلى الله في نصرتي والضمير في * (إنه) * عائد على الأكل الذي تضمنه الفعل الظاهر والحوب الإثم قاله ابن عباس والحسن وغيرهما تقول حاب الرجل يحوب حوبا وحابا وحوبا إذا أثم قال أمية بن الأسكر (وإن مهاجرين تكنفاه * غداتئذ لقد خطئا وخابا) الوافر وقرأ الحسن حوبا بفتح الحاء وهي لغة بني تميم وقيل هو بفتح الحاء المصدر وبضمها الاسم وتحوب الرجل إذا ألقى الحوب عن نفسه وكذلك تحنث وتأثم وتحرج فإن هذه الأربعة بخلاف تفعل كله لأن تفعل معناه الدخول في الشيء كتعبد وتكسب وما أشبهه ويلحق بهذه الأربعة تفكهون في قوله تعالى * (لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون) * أي تطرحون الفكاهة عن أنفسكم بدليل قوله بعد ذلك * (إنا لمغرمون بل نحن محرومون) * أي يقولون ذلك وقوله * (كبيرا) * نص على أن أكل مال اليتيم من الكبائر وقوله تعالى * (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) * قال أبو عبيدة * (خفتم) * هنا بمعنى أيقنتم واستشهد بقول الشاعر دريد بن الصمة (فقلت لهم خافوا بألفي مدجج *) الطويل وما قاله غير صحيح ولا يكون الخوف بمعنى اليقين بوجه وإنما هو من أفعال التوقع إلا أنه قد يميل الظن فيه إلى إحدى الجهتين وأما أن يصل إلى حد اليقين فلا و * (تقسطوا) * معناه تعدلوا يقال أقسط الرجل إذا عدل وقسط إذا جار وقرأ ابن وثاب والنخعي ألا تقسطوا بفتح التاء من قسط على تقدير زيادة لا كأنه قال * (وإن خفتم) * أن تجوروا واختلف في تأويل الآية فقالت عائشة رضي الله عنها نزلت في أولياء اليتامى الذين يعجبهم جمال ولياتهم فيريدون أن يبخسوهن في المهر لمكان ولا يتهم عليهن فقيل لهم أقسطوا في مهورهن فمن خاف ألا يقسط فليتزوج ما طاب له من الأجنبيات اللواتي
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»