قال القاضي أبو محمد وهذا على أن يكون قوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا) * خطابا للمؤمنين الحاضرين يعم مؤمنهم ومنافقهم لأن المنافقين كانوا يظهرون الإيمان والإشارة بالارتداد إلى المنافقين والمعنى أن من نافق وارتد فإن المحققين من الأنصار يحمون الشريعة ويسد الله بهم كل ثلم وقرأ أبو عمرو وابن كثير وحمزة والكسائي وعاصم يرتد بإدغام الدال في الدال وقرأ نافع وابن عامر يرتدد بترك الإدغام وهذه لغة الحجاز مكة وما جاورها والإدغام لغة تميم وقوله تعالى * (أذلة على المؤمنين) * معناه متذللين من قبل أنفسهم غير متكبرين وهذا كقوله تعالى * (أشداء على الكفار رحماء بينهم) * وكقوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن هين لين) وفي قراءة ابن مسعود أذلة على المؤمنين غلظاء على الكافرين وقوله تعالى * (ولا يخافون لومة لائم) * إشارة إلى الرد على المنافقين في أنهم كانوا يعتذرون بملامة الأخلاق والمعارف من الكفار ويراعون أمرهم وقوله تعالى * (ذلك فضل الله) * الإشارة بذلك إلى كون القوم يحبون الله ويحبهم وقد تقدم القول غير مرة في معنى محبة الله للعبد وأنها إظهار النعم المنبئة عن رضاه عنه وإلباسه إياها و * (واسع) * معناه ذو سعة فيما يملك ويعطي وينعم قوله عز وجل سورة المائدة 55 56 57 الخطاب بقوله * (إنما وليكم الله) * الآية للقوم الذين قيل لهم * (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) * و * (إنما) * في هذه الآية حاصرة يعطي ذلك المعنى وولي اسم جنس وقرأ ابن مسعود إنما موليكم الله وقوله * (والذين آمنوا) * أي ومن آمن من الناس حقيقة لا نفاقا وهم * (الذين يقيمون الصلاة) * المفروضة بجميع شروطها * (ويؤتون الزكاة) * وهي هنا لفظ عام للزكاة المفروضة وللتطوع بالصدقة ولكل أفعال البر إذ هي تنمية للحسنات مطهرة للمرء من دنس الذنوب فالمؤمنون يؤتون من ذلك كل بقدر استطاعته وقرأ ابن مسعود آمنوا والذين يقيمون بواو وقوله تعالى * (وهم راكعون) * جملة معطوفة على جملة ومعناها وصفهم بتكثير الصلاة وخص الركوع بالذكر لكونه من أعظم أركان الصلاة وهو هيئة تواضع فعبر به عن جميع الصلاة كما قال * (والركع السجود) * وهي عبارة عن المصلين وهذا قول جمهور المفسرين ولكن اتفق أن عليا بن أبي طالب أعطى صدقة وهو راكع قال السدي هذه الآية في جمع المؤمنين ولكن عليا بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه وروي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من بيته وقد نزلت عليه الآية فوجد مسكينا فقال له هل أعطاك أحد شيئا فقال نعم أعطاني ذلك الرجل الذي يصلي خاتما من فضة وأعطانيه وهو راكع فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا الرجل الذي أشار إليه علي بن أبي طالب فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر وتلا الآية على الناس
(٢٠٨)