صددنا فنزلت الآية وقرأ أبو عمرو وابن كثير إن صدوكم بكسر الهمزة وقرأ الباقون أن صدوكم بفتح الهمزة إشارة إلى الصد الذي وقع وهذه قراءة الجمهور وهي أمكن في المعنى وكسر الهمزة معناه إن وقع مثل ذلك في المستقبل وقرأ ابن مسعود أن يصدوكم وهذه تؤيد قراءة أبي عمرو وابن كثير ثم أمر الله تعالى الجميع بالتعاون * (على البر والتقوى) * قال قوم هما لفظان بمعنى وكرر باختلاف اللفظ تأكيدا ومبالغة إذ كل بر تقوى وكل تقوى بر قال القاضي أبو محمد وفي هذا تسامح ما والعرف في دلالة هذين اللفظين أن البر يتناول الواجب والمندوب إليه والتقوى رعاية الواجب فإن جعل أحدهما بدل الآخر فبتجوز ثم نهى تعالى عن التعاون على الإثم وهو الحكم اللاحق عن الجرائم وعن العدوان وهو ظلم الناس ثم أمر بالتقوى وتوعد توعدا مجملا بشدة العقاب وروي أن هذه الآية نزلت نهيا عن الطلب بذحول الجاهلية إذ أراد قوم من المؤمنين ذلك قاله مجاهد وقد قتل بذلك حليف لأبي سفيان من هذيل...
وقوله تعالى * (حرمت عليكم الميتة) * الآية تعديد لما يتلى على الأمة مما استثني من * (بهيمة الأنعام) * و * (الميتة) * كل حيوان له نفس سائلة خرجت نفسه من جسده على غير طريق الذكاة المشروع سوى الحوت والجراد على أن الجراد قد رأى كثير من العلماء أنه لا بد من فعل فيها يجري مجرى الذكاة وقرأ جمهور الناس الميتة بسكون الياء وقرأ أبو جعفر بن القعقاع الميتة بالتشديد في الياء قال الزجاج هما بمعنى واحد وقال قوم من أهل اللسان الميت بسكون الياء ما قد مات بعد والميت يقال لما قد مات ولما لم يمت وهو حي بعد ولا يقال له ميت بالتخفيف ورد الزجاج هذا القول واستشهد على رده بقول الشاعر (ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الأحياء) قال القاضي أبو محمد والبيت يحتمل أن يتأول شاهدا عليه لا له وقد تأول قوم استراح في هذا البيت بمعنى اكتسب رائحة إذ قائله جاهلي لا يرى في الموت راحة وقوله تعالى * (والدم) * معناه المسفوح لأنه بهذا تقيد الدم في غير هذه الآية فيرد المطلق إلى المقيد وأجمعت الأمة على تحليل الدم المخالط للحم وعلى تحليل الطحال ونحوه وكانت الجاهلية تستبيح الدم ومنه قولهم لم يحرم من فصد له والعلهز دم ووبر يأكلونه في الأزمات * (ولحم الخنزير) * مقتض لشحمه بإجماع واختلف في استعمال شعره وجلده بعد الدباغ فأجيز ومنع وكل شيء من الخنزير حرام بإجماع جلدا كان أو عظما وقوله تعالى * (وما أهل لغير الله به) * يعني ما ذبح لغير الله تعالى وقصد به صنم أو بشر من الناس كما كانت العرب تفعل وكذلك النصارى وعادة الذابح أن يسمي مقصوده ويصيح به فذلك إهلاله ومنه استهلال المولود إذا صاح عند الولادة ومنه إهلال الهلال أي الصياح بأمره عند رؤيته ومن الإهلال قول ابن أحمر (يهل بالفرقد ركبانها * كما يهل الراكب المعتمر) وقوله تعالى * (والمنخنقة) * معناه التي تموت خنقا وهو حبس النفس سواء فعل بها ذلك آدمي أو اتفق لها ذلك في حجر أو شجرة أو بحبل أو نحوه وهذا إجماع وقد ذكر قتادة أن أهل الجاهلية كانوا يخنقون الشاة