المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١١٩
قوله تعالى سورة النساء 128 129 هذه الآية حكم من الله تعالى في أمر المرأة التي تكون ذات سن ودمامة أو نحو ذلك مما يرغب زوجها عنها فيذهب الزوج إلى طلاقها أو إلى إيثار شابة عليها ونحو هذا مما يقصد به صلاح نفسه ولا يضرها هي ضررا يلزمه إياها بل يعرض عليها الفرقة أو الصبر على الأثرة فتزيد هي بقاء العصمة فهذه التي أباح الله تعالى بينهما الصلح ورفع الجناح فيه إذ الجناح في كل صلح يكون عن ضرر من الزوج يفعله حتى تعالجه وأباح الله تعالى الصلح مع الخوف وظهور علامات النشوز أو الإعراض وهو مع وقوعها مباح أيضا والنشوز الارتفاع بالنفس عن رتبة حسن العشرة والإعراض أخف من النشوز وأنواع الصلح كلها مباحة في هذه النازلة أن يعطي الزوج على أن تصبر هي أو تعطي هي على أن لا يؤثر الزوج أو على أن يؤثر ويتمسك بالعصمة أو يقع الصلح على الصبر على الأثرة فهذا كله مباح واختلف المفسرون في سبب الآية فقال ابن عباس وجماعة معه نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وسودة بنت زمعة حدث الطبري بسند عن ابن عباس قال خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا تطلقني واحبسني مع نسائك ولا تقسم لي ففعل فنزلت * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * الآية وفي المصنفات أن سودة لما كبرت وهبت يومها لعائشة وهذا نحو الأول وقال سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعبيدة السلماني وغيرهم نزلت الآية بسبب رافع بن خديج وخولة بنت محمد بن مسلمة وذلك أنه خلا من سنها فتزوج عليها شابة فآثر الشابة فلم تصبر هي فطلقها طلقة ثم تراجعا فعاد فآثر الشابة فلم تصبر هي فطلقها أخرى فلما بقي من العدة يسير قال لها إن شئت راجعتك وصبرت على الآثرة وإن شئت تركتك حتى يخلو أجلك قالت بل راجعني وأصبر فراجعها فآثر الشابة فلم تصبر فقال إنما هي واحدة فإما أن تقري على ما ترين من الإثرة وإلا طلقتك فقرت فهذا هو الصلح الذي أنزل الله فيه * (وإن امرأة خافت) * الآية وقال مجاهد نزلت الآية بسبب أبي السنابل ابن بعكك وامرأته وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر يصالحا بفتح الياء وشد الصاد وألف بعدها وأصلها يتصالحا وقرأ حمزة والكسائي وعاصم يصلحا بضم الياء وسكون الصاد دون ألف وقرأ عبيدة السلماني يصالحا بضم الياء من المفاعلة وقرأ الجحدري وعثمان البتي يصلحا بفتح الياء وشد الصاد أصلها يصطلحا قال أبو الفتح أبدل الطاء صادا ثم أدغم فيها الصاد التي هي فاء فصارت يصلحا وقرأ الأعمش إن اصالحا وكذلك هي في قراءة ابن مسعود وقوله * (صلحا) * ليس الصلح مصدرا على واحد من هذه الأفعال التي قرىء بها فالذي يحتمل أن يكون اسما كالعطاء مع أعطيت والكرامة مع أكرمت فمن قرأ يصلحا كان تعديه إلى الصلح كتعديه إلى الأسماء كما تقول أصلحت ثوبا ومن قرأ
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»