المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١٠٤
في الأرض فكيف نصلي فأنزل الله تعالى * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) * ثم انقطع الكلام فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر فقال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم فهلا شددتم عليهم فقال قائل منهم إن لهم أخرى في أثرها فأنزل الله تعالى بين الصلاتين * (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * إلى آخر صلاة الخوف وذكر الطبري في سرد هذه المقالة حديث يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب إن الله تعالى يقول * (إن خفتم) * وقد أمن الناس فقال عجبت ما عجبت منه فسألت رسول الله عن ذلك فقال (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته) قال الطبري وهذا كله قول حسن إلا أن قوله تعالى * (وإذا كنت) * تؤذن بانقطاع ما بعدها مما قبلها فليس يترتب من لفظ الآية إلا أن القصر مشروط بالخوف وفي قراءة أبي بن كعب أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا بسقوط * (إن خفتم) * وثبتت في مصحف عثمان رضي الله عنه وذهبت جماعة أخرى إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة القصر في السفر للخائف من العدو فمن كان آمنا فلا قصر له وروي عن عائشة أنها كانت تقول في السفر أتموا صلاتكم فقالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر فقالت إنه كان في حرب وكان يخاف وهل أنتم تخافون وقال عطاء كان يتم الصلاة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وسعد بن أبي وقاص وأتم عثمان بن عفان ولكن علل ذلك بعلل غير هذه وكذلك علل إتمام عائشة أيضا بغير هذا وقال آخرون القصر المباح في هذه الآية إنما هو قصر الركعتين إلى ركعة والركعتان في السفر إنما هي تمام وقصرها أن تصير ركعة قال السدي إذا صليت في السفر ركعتين فهو تمام والقصر لا يحل إلا أن يخاف فهذه الآية مبيحة أن تصلي كل طائفة ركعة لا تزيد عليها شيئا ويكون للإمام ركعتان وروي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال ركعتان في السفر تمام غير قصر إنما القصر في صلاة المخافة يصلي الإمام بطائفة ركعة ثم يجيء هؤلاء فيصلي بهم ركعة فتكون للإمام ركعتان ولهم ركعة ركعة وقال نحو هذا سعيد بن جبير وجابر بن عبد الله وكعب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفعله حذيفة بطبرستان وقد سأله الأمير سعيد بن العاصي ذلك وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك في غزوة ذي قرد ركعة بكل طائفة ولم يقضوا وقال مجاهد عن ابن عباس فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بأصحابه يوم حارب خصفة وبني ثعلبة وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بين ضجنان وعسفان وقال آخرون هذه الآية مبيحة القصر من حدود الصلاة وهيئتها عند المسايفة واشتعال الحرب فأبيح لمن هذه حاله أن يصلي إيماء برأسه ويصلي ركعة واحدة حيث توجه إلى تكبيرتين إلى تكبيرة على ما تقدم من أقوال العلماء في تفسير قوله تعالى * (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) * ورجح الطبري هذا القول وقال إنه يعادله قوله * (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) * أي بحدودها وهيئتها الكاملة وقرأ الجمهور تقصروا بفتح التاء وضم الصاد وروى الضبي عن أصحابه تقصروا بضم التاء وكسر الصاد وسكون القاف وقرأ الزهري تقصروا بضم التاء وفتح القاف وكسر الصاد وشدها و * (يفتنكم) * معناه يمتحنكم بالحمل عليكم وإشغال نفوسكم في صلاتكم ونحو
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»