المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٦١
للمسلمين وقوله * (وما هو من عند الله) * نفي أن يكون منزلا كما ادعوا وهو من عند الله بالخلق والاختراع والإيجاد ومنهم بالتكسب ولم تعن الآية إلا لمعنى التنزيل فبطل تعلق القدرية بظاهر قوله وما هو من عند الله وقد تقدم نظير قوله تعالى * (ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) * وقوله تعالى * (ما كان لبشر) * معناه لأحد من الناس والبشر اسم جنس يقع للكثير والواحد ولا مفرد له من لفظه وهذا الكلام لفظه النفي التام كقول أبي بكر رضي الله عنه ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يعلم مبلغها من النفي بقرينة الكلام الذي هي فيه كقوله تعالى * (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) * آل عمران 145 وقوله تعالى * (ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) * النحل 60 فهذا منتف عقلا وأما آيتنا هذه فإن النفي على الكمال لأنا نقطع أن الله تعالى لا يؤتي النبوة للكذبة والمدعين و * (الكتاب) * في هذه الآية اسم جنس و * (الحكم) * بمعنى الحكمة ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن من الشعر لحكما) و " ثم " في قوله تعالى * (ثم يقول) * معطية تعظيم الذنب في القول بعد مهلة من هذا الإنعام وقوله * (عبادا) * هو جمع عبد ومن جموعه عبيد وعبدى أنه قال بعض اللغويين هذه الجموع بمعنى وقال قوم العباد لله والعبيد والعبدي للبشر وقال قوم العبدي إنما تقال في العبيد بني العبيد وكأنه بناء مبالغة تقتضي الإغراق في العبودية قال القاضي أبو محمد والذي استقريت في لفظة العباد أنه جمع عبد متى سيقت اللفظة في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير وتصغير الشأن وانظر قوله تعالى * (والله رؤوف بالعباد) * البقرة 207 آل عمران 30 و * (عباد مكرمون) * الأنبياء 26 * (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) * الزمر 53 وقول عيسى في معنى الشفاعة والتعريض لرحمة الله * (إن تعذبهم فإنهم عبادك) * المائدة 118 فنوه بهم وقال بعض اللغويين إن نصارى الحيرة وهم عرب لما أطاعوا كسرى ودخلوا تحت أمره سمتهم العرب العباد فلم ينته بهم إلى اسم العبيد وقال قوم بل هم قوم من العرب من قبائل شتى اجتمعوا وتنصروا وسموا أنفسهم العباد كأنه انتساب إلى عبادة الله وأما العبيد فيستعمل في تحقير ومنه قول امرئ القيس (قولا لدودان عبيد العصى * ما غركم بالأسد الباسل) السريع ومنه قول حمزة بن عبد المطلب وهل أنتم إلا عبيد ومنه قول الله تعالى * (وما ربك بظلام للعبيد) * فصلت 46 لأنه مكان تشفيق وإعلام بقلة انتصارهم ومقدرتهم وأنه تعالى ليس بظلام لهم مع ذلك ولما كانت لفظة العباد تقتضي الطاعة لم تقع هنا ولذلك أنس بها في قوله تعالى * (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) * الزمر 53 قال الإمام أبو محمد فهذا النوع من النظر يسلك به سبل العجائب في ميزة فصاحة القرآن العزيز على الطريقة العربية السليمة ومعنى قوله * (كونوا عبادا لي من دون الله) * اعبدوني واجعلوني إلها واختلف المفسرون إلى من هي الإشارة بقوله تعالى * (ما كان لبشر) * فقال النقاش وغيره الإشارة
(٤٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 ... » »»