أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٤ - الصفحة ٥٣
عنهم وتقولوا ذلك بصفة التعظيم لهم والتنزيه عن غير ما نسب الله إليهم ولا يقولن أحدكم قد عصى الأنبياء فكيف نحن فإن ذكر ذلك كفر المسألة التاسعة في ذكر قصة داود عليه السلام على الخصوص بالجائز منها دون الممتنع أما قولهم إن داود حدث نفسه أن يعتصم إذا ابتلي ففيه ثلاثة أوجه الأول أن حديث النفس لا حرج فيه في شرعنا آخرا وقد كنا قبل ذلك قيل لنا إنا نؤاخذ به ثم رفع ذلك عنا بفضله فاحتمل أن يكون ذلك مؤاخذا به في شرع من قبلنا وهو أمر لا يمكن الاحتراز منه فليس في وقوعه ممن يقع منه نقص وإنما الذي يمكن دفعه هو الإصرار بالتمادي على حديث النفس وعقد العزم عليه الثاني أنه يحتمل أن يكون داود عليه السلام نظر من حاله وفي عبادته وخشوعه وإنابته وإخباته فظن أن ذلك يعطيه عادة التجافي عن أسباب الذنوب فضلا عن التوغل فيها فوثق بالعبادة فأراد الله تعالى أن يريه أن ذلك حكمه في العبادة واطرادها الثالث أن هذا النقل لم يثبت فلا يعول عليه وأما قولهم إن الطائر درج عنده فهم بأخذه فدرج فاتبعه فهذا لا يناقض العبادة لأن هذا مباح فعله لا سيما وهو حلال وطلب الحلال فريضة وإنما اتبع الطائر لذاته لا لجماله فإنه لا منفعة له فيه وإنما ذكرهم لحسن الطائر حذق في الجهالة أما أنه قد روي أنه كان طائرا من ذهب فاتبعه ليأخذه لأنه من فضل الله سبحانه كما روي في الصحيح أن أيوب كان يغتسل عريانا فخر عليه رجل من جراد من ذهب فجعل يحثي منه ويجعل في ثوبه فقال له الله يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك وأما قولهم إنه وقع بصره على امرأة تغتسل عريانة فلما رأته أرسلت شعرها
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»