أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٤ - الصفحة ٢٨٥
نزلت عليه وهو ما روي في الصحيح بألفاظ مختلفة منها عن أبي إسحاق عن زيد ابن أرقم قال كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبي يقول لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فذكرت ذلك لعمي فذكر ذلك لرسول الله فدعاني فجئته فأرسل رسول الله إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا فكذبني رسول الله وصدقه فأصابني هم لم يصبني مثله فجلست في البيت فقال عمي ما أردت إلا إلى أن كذبك رسول الله ومقتك فأنزل الله تعالى (* (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) *) المنافقون 1 فبعث إلي النبي فقال إن الله قد صدقك فتبين بهذا أن قوله تعالى (* (اتخذوا أيمانهم جنة) *) إشارة إلى أن ابن أبي حلف أنه ما قال وقد قال وليس ذلك براجع إلى قوله تعالى (* (نشهد إنك لرسول الله) *) فاعلموه المسألة الثانية هذه اليمين كانت غموسا كاذبة من عديم الإيمان فهي موجبة للنار أما عدم إيمانه فبقوله تعالى (* (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) *) المنافقون 3 وأما عدم الثواب فيهم ووجوب العقاب لهم فبآيات الوعيد الواردة في الكفار وقد كثر ذلك في القرآن الآية الثالثة قوله تعالى (* (وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) *) الآية 1 فيها مسألتان ويحقق هذا أن حرف إن يتعلق بالشرط الواجب كما يتعلق بالشرط الممكن وعلى هذا خرج قوله وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وقد بينا ذلك في ملجئة المتفقهين إلى معرفة غوامض النحويين واللغويين وأما حديث أبي فغير صحيح وقد روى ابن القاسم وأشهب وعبد الله بن الحكم عن مالك في قوله تعالى (* (إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر) *) يقول في شأن العدة إن تفسيرها إن لم تدروا ما تصنعون في امرها فهذه سبيلها والله أعلم المسألة الثالثة قوله تعالى (* (واللائي لم يحضن) *)) يعني الصغيرة وعدتها أيضا بالأشهر لتعذر الأقراء فيها عادة والأحكام إنما أجراها الله على العادات فهي تعتد بالأشهر فإذا رأت الدم في زمن احتماله عند النساء انتقلت إلى الدم لوجود الأصل فإذا وجد الأصل لم يبق للبدل حكم كما أن المسنة إذا اعتدت بالدم ثم انقطع عادت إلى الأشهر روى سعيد بن المسيب أن عمر قال أيما امرأة اعتدت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها فإنها تنتظر تسعة أشهر فإن استبان بها حمل فذلك وإلا اعتدت بعد تسعة أشهر ثلاثة أشر ثم حلت وأمر ابن عباس بالتربص سنة وقال الشافعي وأبو حنيفة تبقى إلى سن اليأس وقال علماؤنا تعتد سنة وإن كانت مسنة وانقطع حيضها وقال النساء إن مثلها لا تحيض اعتدت بثلاثة أشهر وأما قول أبي حنيفة والشافعي إنها تبقى إلى سن اليأس فإن معناه إذا كانت مرتابة بحمل وكذلك قال أشهب لا تحل أبدا حتى تيأس وهو الصحيح المسألة الرابعة قوله تعالى (* (واللائي لم يحضن) *) دليل على أن للمرء أن ينكح ولده الصغار لأن الله تعالى جعل عدة من لم يحض من النساء ثلاثة أشهر ولا تكون عليها عدة إلا أن يكون لها نكاح فدل ذلك على هذا الغرض وهو بديع في فنه
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»