أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٣ - الصفحة ١٠٤
وبيانه الآن على اختصار لكم أنا لو علقناه بالأول كما علقناه بما يليه لكان ذلك تناقضا وصار الكلام نفيا لما أثبت وإثباتا لما نفي وذلك لأن الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات فإذا كان الأول إثباتا فالاستثناء منه نفي؛ ثم إن استثنى من النفي فإنما يستثنى به إثبات فيصير هذا المستثنى الآخر منفيا بالاستثناء الأول مثبتا بالثاني وهذا تناقض وبسطه وإيضاحه في الأصول فأبان الله تعالى بقوله (* (إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) *) [الحجر 58] إلا آل لوط فليسوا منهم إلا امرأته فإنها خارجة عن آله فترتب عليها من الفقه قول المقر عندي عشرة إلا ثلاثة إلا واحدا فثبت الإقرار بثمانية ويترتب عليه قول المطلق لزوجته أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة فتكون اثنتين وهذا ظاهر فأغنى عن الاطناب فيه الآية الرابعة قوله تعالى (* (قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين) *) [الآية 71] لما تداعى أهل المدينة إلى لوط حين رأوا وسمعوا بجمال أضيافه وحسن شارتهم؛ قصدا للفاحشة فيهم تحرم لهم لوط بالضيافة وسألهم ترك الفضيحة وإتيان المراعاة فلما قالوا له (* (أو لم ننهك عن العالمين) *) [الحجر 7] قال لهم لوط إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فهؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين ولا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم أن يعرضوا بناتهم على الفاحشة فداء لفاحشة أخرى؛ وإنما معناه هؤلاء بنات أمتي؛ لأن كل نبي أزواجه أمهات أمته وبناتهم بناته فأشار عليهم بالتزويج الشرعي وحملهم على النكاح الجائز كسرا لسورة الغلمة وإطفاء لنار الشهوة كما قال تعالى (* (أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون) *) [الشعراء 165166] الآيتين والله أعلم
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»