أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٩
وأما قول الثالث فأنكره شيخنا النحوي نزيل مكة وقال أجمعت أي الفرقة السالفة الصالحة من الأمة على غيره وذلك من قولهم أصح وأولى وأظنه لم يفهم المقصود من هذا القول ولا اغتزى فيه المغزى ولقد ألحم فيه الصواب وسدى وإذا منحته نقدا لم تعدم فيه هدى عند الله تعالى علم الغيب وبيده الطرق الموصلة إليه لا يملكها إلا هو فمن شاء اطلاعه عليها أطلعه ومن شاء حجبه عنها حجبه فلا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله بدليل قوله سبحانه (* (وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء) *)) المسألة السابعة مقامات الغيب الخمسة التي لا يعلمها إلا الله لا أمارة عليها ولا علامة عليها إلا ما أخبر به الصادق المجتبى لاطلاع الغيب من أمارات الساعة والأربعة سواها لا أمارة عليها فكل من قال إنه ينزل الغيث غدا فهو كافر أخبر عنه بأمارات ادعاها أو بقول مطلق ومن قال إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر فأما الأمارة على هذا فتختلف فمنها كفر ومنها تجربة والتجربة منها أن يقول الطبيب إذا كان الثدي الأيمن مسود الحلمة فهو ذكر وإن كان ذلك في الثدي الأيسر فهو أنثى وإن كانت المرأة تجد الجنب الأيمن أثقل فهو ذكر وإن وجدت الجنب الأشأم أثقل فالولد أنثى وادعى ذلك عادة لا واجبا في الخلقة لم نكفره ولم نفسقه وأما من ادعى علم الكسب في مستقبل العمر فهو كافر أو أخبر عن الكوائن الجملية أو المفصلة فيما يكون قبل أن يكون فلا ريبة في كفره أيضا فأما من أخبر عن كسوف الشمس والقمر فقد قال علماؤنا يؤدب ويسجن ولا يكفر أما عدم تكفيره فلأن جماعة قالوا إنه أمر يدرك بالحساب وتقدير المنازل حسبما أخبر الله سبحانه في قوله جل وعلا (* (والقمر قدرناه منازل) *) فلحسابهم له وإخبارهم عنه وصدقهم فيه توقفت علماؤنا عن الحكم بتكفيرهم
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»