بها المشركون ثم أنزل سورة البقرة فقال ذلك الكتاب يعني ما تقدم البقرة من السور لا شك فيه والكتاب مصدر وهو بمعنى المكتوب كما يقال للمخلوق وهذا الدرهم ضرب فلان أي مضروبه وأصل الكتاب الضم والجمع ويقال للجند كتيبة لاجتماعها وسمي الكتاب كتابا لأنه جمع حرف إلى أحرف قوله تعالى (لا ريب فيه) أي لا شك فيه أنه من عند الله وأنه الحق والصدق وقيل هو خبر بمعنى النهي أي لا ترتابوا فيه لقوله تعالى (فلا رفث ولا فسوق) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا قرأ ابن كثير فيه بالإشباع في الوصل وكذلك كل هاء كتابة قبلها ساكن يشبعها وصلا ما لم يلها ساكن ثم إن كان الساكن قبل الهاء ياء يشبعها بالكسر ياء وإن كان غيرها يشبعها بالضم واوا ووافقه حفص في قوله (فيه مهانا) فأشبعه قوله تعالى (هدى للمتقين) يدغم الغنة عند اللام والراء أبو جعفر وابن كثير وحمزة والكسائي زاد حمزة والكسائي عند الياء وزاد حمزة عند الواو والآخرون لا يدغمونها ويخفي أبو جعفر النون والتنوين عند الخاء والغين هدى للمتقين أي هو هدى أي رشد وبيان لأهل التقوى وقيل هو نصب على الحال أي هاديا تقديره لا ريب فيه في هدايته للمتقين والهدى ما يهتدي به الإنسان للمتقين أي للمؤمنين قال ابن عباس المتقي من يتقي الشرك والكبائر والفواحش وهو مأخوذ من الإتقاء وأصله الحجز بين شيئين ومنه يقال اتقى بترسه أي جعله حاجزا بين نفسه وبين ما يقصده وفي الحديث كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم أي إذا اشتد الحرب جعلناه حاجزا بيننا وبين العدو فكأن المتقي يجعل امتثال أمر الله والاجتناب عما نهاه حاجزا بينه وبين العذاب قال عمر بن الخطاب لكعب الأحبار حدثنا عن التقوى فقال هل أخذت طريقا ذا شوك قال نعم قال فما عملت فيه قال حذرت وتشمرت قال كعب وذلك التقوى وقال شهر بن حوشب المتقي الذي يترك مالا بأس به حذرا لما به بأس وقال عمر بن عبد العزيز التقوى ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فما رزق الله بعد ذلك فهو خير إلى خير وقيل هو اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث \ جماع التقوى \ في قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) الآية وقال ابن عمر التقوى أن لا ترى نفسك خيرا من أحد وتخصيص المتقين بالذكر تشريف لهم أو لأنهم هم المنتفعون بالهدى 3 قوله تعالى (الذين يؤمنون) موضع الذين خفض نعتا للمتقين يؤمنون يصدقون ويترك همزة أبو عمر وورش والآخرون يهمزونه وكذلك يتركان كل همزة ساكنة هي فاء الفعل نحو يؤمن ومؤمن إلا أحرفا معدودة وحقيقة الإيمان التصديق بالقلب قال الله تعالى (وما أنت بمؤمن لنا) أي بمصدق لنا وهو في الشريعة الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان فسمي الإقرار والعمل إيمانا لوجه من المناسبة لأنه من شرائعه والإسلام هو الخضوع والانقياد فكل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيمانا إذا لم يكن معه تصديق قال الله تعالى (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا)
(٤٥)