تفسير السمعاني - السمعاني - ج ٤ - الصفحة ٢٣٥
* (لصوت الحمير (19) ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) * * ومن حكم لقمان سوى ما ذكرنا ما روي أنه قال: لا مال كصحة البدن، ولا نعيم كطيب النفس. ومن حكمه أيضا أنه قال: أدب الوالد لولده كالسماد للزرع.
وحكى عكرمة أن لقمان دخل على داود عليه السلام وهو يصنع درعا، فلم يدر ما يصنع؛ فأراد أن يسأله، وكان (حكمه) تمنعه منه، فلما أتم داود الدرع لبسها، وقال: نعم جبة الحرب هي. فقال لقمان: الصمت حكم وقليل فاعله.
وحكى أيضا عكرمة أن مولاه خاطر قوما على شرب ماء البحر في حال سكره، فدعا لقمان وقال: لمثل هذا اليوم كنت أعدك، وذكر له القصة. فقال: اجمع القوم الذين خاطرتهم؛ فجمعهم، فقال لهم: احبسوا مواد البحر حتى يشرب ماء البحر. فقالوا: كيف نحبس مواد البحر؟ فقال: كيف يشرب ماء البحر ومواده غير منقطعة؟ فخلص مولاه.
وحكى أيضا عكرمة أنه كان لمولى لقمان عبيد سواه، ولم يكن فيهم أخس منه عنده، فبعثهم إلى بستان له ليحملوا له فاكهة، فذهبوا وأكلوا الفاكهة؛ فلما رجعوا أحالوا على لقمان أنه هو الذي أكل، وصدقهم مولاه لخسة لقمان عنده، وأراد أن يؤذيه، فقال لقمان لمولاه: إن ذا اللسانين وذا الوجهين لا يكون وجيها عند الله، فاسقني ماء حميما، واسق هؤلاء العبيد ماء حميما؛ فسقاهم، فقاء سائر العبيد ما أكلوا من الفاكهة، وقاء هو ماء بحتا، فعرف صدقه وكذبهم.
قوله تعالى: * (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) أي: ذلل.
وقوله: * (وأسبغ عليهم نعمة) أي: أتم عليكم وأكمل نعمه ظاهرة وباطنة، قال ابن عباس: النعمة الظاهرة هي الإسلام وحسن الخلق، والنعمة الباطنة هي ما يستر من العيوب. وقال بعضهم: النعمة الظاهرة هي الإقرار باللسان، والباطنة هي الاعتقاد @ 236 @ * (وأسبع عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منيروإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ومن يسلم وجهه إلى اللهوهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا) بالقلب. ويقال النعمة الظاهرة: نعمة الدنيا، والباطنة: نعمة العقبى. وقيل النعمة الظاهرة: نعمة الأبدان، والباطنة: نعمة الأديان. ويقال: النعمة الظاهرة: تمام الرزق، والنعمة الباطنة: حسن الخلق، ويقال النعمة الظاهرة: الزي والرياش الحسن. والنعمة الباطنة: ما أخفى من المعصية وسترها. وقال بعضهم: النعمة الظاهرة: الولد، والباطنة: الوطء.
وقوله: * (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) نزلت هذه الآية في أمية بن خلف وأبي بن خلف وأبي جهل بن هشام والنضر بن الحارث وأشباههم؛ كانوا يجادلون النبي بالباطل في الله وفي صفاته.
قوله تعالى: * (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) ظاهر المعنى.
وقوله: * (أو لو كان الشيطان يدعوهم) هذا جواب عن محذوف, والمحذوف: أيتبعون الشيطان، وإن كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير.
وقوله تعالى: * (ومن يسلم وجهه إلى الله) أي: ومن يخلص دينه لله، وقيل: يسلم نفسه وعمله إلى الله. وقرأ أبو عبد الحمن السلمى: ((يسلم)) بالتشديد، وقوله: * (يسلم) من التسليم, وقوله: ((يسلم)) من الانقياد.
وقوله: * ([وهو محسن] فقد استمسك بالعروة الوثقى): قول لا إله إلا الله. وقيل العروة الوثقى: السبب الذي يوصل إلى رضا الله تعالى. والوثقى تأنيث الأوثق. والعهد الوثيق، هوالعهد المحكم الشديد، والأوثق الأشد.
وقوله: * (وإلى الله عاقبة الأمور) أي: خاتمة الأمور. @ 237 @ * (يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا ثم نطرهم إلى عذاب غليظ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون لله ما في السماوات و الأرض إن الله هو الغني الحميد ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعد سبعة أبحر ما نفدت كلما ت الله إن الله عزيز حكيم ما خلقكم) قوله تعالى: * (ومن كفر فلا يحزنك كفره) أي: لا تحزن بكفره.
وقوله: * (إلينا مرجعهم) أي: مصيرهم.
وقوله: * (فننبئهم بما عملوا) أي: نخبرهم بما عملوا.
وقوله: * (إن الله عليم بذات الصدور) أي: عالم بما في الصدور.
قوله تعالى: * (نمتعهم قليلا) الإمتاع هو التمتع بما في الدنيا من نعيمها.
وقوله: * (ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) أي: نلجئهم إلى عذاب غليظ.
قوله تعالى: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) قد بينا.
قوله تعالى: * (لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغنى الحميد) أي: الغنى عن خلقه، المحمود في فعله.
قوله تعالى: * (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) روى أن المشركين قالوا: إن ما أتى به محمد من الكلام ينقطع ويفنى، فأنزل الله تعالى هذه الآية، بمعنى: أن جميع أشجار العالم ونباتها لو بريت أقلاما، وصارت البحور مدادا ما نفدت كلمات الله أي: كلام الله وعلمه.
وقوله: * (إن الله عزيز حكيم) قد بينا.
قوله تعالى: * (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) معناه: ما خلقكم إلا
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 239 240 241 242 ... » »»