وإن أجلكم هذه المدة فلا يعجز عن عذابكم، كما يعجز من يفوته الشيء * (وأن الله مخزي الكافرين) أي: مذل الكافرين.
وسبب نزول الآية: ' أنه كان بين رسول الله وبين المشركين عهود ومدد، فلما غزا غزوة تبوك أرجف المنافقون بالنبي، فجعل المشركون ينقضون العهود - وقيل: إن هذا كان قبل غزوة تبوك - فلما كانت سنة تسع من الهجرة بعث أبا بكر - رضي الله عنه - للحج بالناس، وبعث عليا - رضي الله عنه - ليقرا على الناس هذه الآيات من أول هذه السورة. ويروى أنه بعث أبا بكر أولا، ثم إنه بعث عليا في إثره، وقال: ' لا يبلغ هذه الآيات إلا رجل منى ' يعني: من رهطي فكان أبو بكر أميرا على الموسم، وكان علي ينادي في الناس بهذه الآيات.
وروى أن عليا سئل: بم بعثك رسول الله؟ فقال: بعثني بأربعة أشياء: أولها: من كان بينه وبين رسول الله عهد فمدته إلى أربعة أشهر، والثاني: لا يحجن بعد هذا العام مشرك، والثالث: لا يطوفن بالبيت عريان، والرابع: لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة '.
فإن قال قائل: كيف بعث أبا بكر بهذه الآيات ثم عزله وبعث عليا، وقال: ' لا يبلغ عني إلا رجل مني '، فإن كان لا يبلغ هذا إلا رجل من رهطه، فكذلك سائر الأشياء؟
والجواب عنه: ذكر العلماء أن رسول الله لم يعزل أبا بكر عن الموسم، وكان هو الأمير، وإنما بعث عليا لينادى بهذه الآيات؛ لأن العرب كانوا تعارفوا أنه لا يعقد على القوم إلا سيدهم، ولا ينقض إلا سيدهم أو رجل من أهله، فبعث عليا على ما تعارفوا؛ ليزيح العلل بالكلية، فلا تبقى لهم علة، فكان المعنى هذا، والله أعلم.