الأرض تلك السنة نباتا كثيرا وأخصبت، فقالوا: هذا كان خيرا لنا، فلم يؤمنوا وكفروا به؛ فأرسل الله عليهم الجراد؛ فأكل زرعهم ونباتهم إلا قليلا؛ فاستغاثوا بموسى حتى يدعو الله - تعالى - فيدفع عنهم ذلك.
وفي أخبار عمر - رضي الله عنه -: أنه قل الجراد في زمانه سنة، فبعث راكبا قبل اليمن وراكبا قبل الشام وراكبا قبل العراق؛ ليطلبوا الجراد؛ فجاء راكب اليمن بكف من جراد، فقال عمر - رضي الله عنه - الله أكبر، إن لله - تعالى - ألف أمة: ستمائة في البر، وأربعمائة في البحر، وأول أمة تهلك الجراد، ثم تتبعهم سائر الأمم الباقيين '.
وفي الأخبار: أن مريم سألت [ربها]، وقالت: يا رب أطعمني لحما بلا دم؛ فأطعمها الجراد. وفي الخبر ' مكتوب على صدر كل جرادة جند الله الأعظم '.
رجعنا إلى القصة، فلما رفع عنهم الجراد لم يؤمنوا أيضا؛ فأرسل الله عليهم القمل، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: القمل صغار الجراد، وهي: الدبي التي ليست لها أجنحة، وعن ابن عباس - في رواية أخرى - أن القمل: سوس الحنطة. وقال أبو عبيدة: هو كبار القراد، وسمى القراد الكبير: حمنان أيضا، وقيل: القمل هو القمل، وقيل: هو الرعاف. فاستغاثوا بموسى، فدعا الله فرفع عنهم فلم يؤمنوا؛ فسلط عليهم الضفادع.
وفي القصة: أن موسى جاء إلى شط البحر وأشار بعصاه إلى أدنى البحر وأقصاه، فخرجت الضفادع حتى امتلأت بيوتهم - وكانت قوافز - وكان الرجل منهم إذا فتح فاه ليتكلم تثب في فيه، وكل من نام منهم فإذا انتبه من النوم يرى على بدنه منها قدر ذراع، وكان إذا تكلم الرجل تقفز في فمه، ثم رفع عنهم فلم يؤمنوا؛ فجعل الله نيل مصر عليهم دما - وكان كل ذلك للقبط خاصة - وكان القبطي يأخذ من النيل الدم، وبنو إسرائيل يأخذون الماء، حتى كان الكوز الواحد يشرب القبطي منه دما عبيطا،