عنده من اليهود والعرب والنصارى والمجوس فأقروا بالجزية وكرهوا الإسلام، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأما أهل الكتاب والمجوس فاقبل منهم الجزية). فلما قرأ عليهم كتاب رسول الله عليه السلام أسلمت العرب وأما أهل الكتاب والمجوس أعطوا الجزية، فقال في ذلك: منافقو أهل مكة وقالوا: عجبا من محمد يزعم أن الله تعالى بعثه ليقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلا الله، وقد قبل من مجوس هجر وأهل الكتاب الجزية، هلا أكرههم على الإسلام وقد ردها على إخواننا من العرب؟ فشق ذلك على المسلمين مشقة شديدة فأنزل الله تعالى " * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) *) يعني بعد أن بلغ محمد فأحذر، وأنزل بعد ما أسلم العرب " * (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) *).
وقال ابن عباس: نزلت في جميع الكفار وذلك أن الرجل كان إذا أسلم قالوا: سفهت أباك، وضللت، وفعلت وفعلت فأنزل الله " * (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل من آبائكم إذا اهتديتم) *) وهذه لفظة إغراء، والعرب تغري من الصفات بعليك عليك ولبيك وإليك وعندك ودونك.
ثم قال " * (إلى الله مرجعكم جميعا) *) الضال والمهتدي * (فينبئكم بما كنتم تعملون) * * (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) *) الآية نزلت في ثلاثة نفر خرجوا تجارا من المدينة إلى الشام، عدي بن فدي، وتميم بن أوس الداري وهما نصرانيان وبديل مولى عمرو بن العاص السهمي وكان مسلما مهاجرا واختلفوا في كنية أبيه.
فقال الكلبي: بديل بن أبي مازنة. وقال قتادة وابن سيرين وعكرمة: هو ابن أبي مارية، ومحمد بن إسحاق بن يسار وابن أبي مريم، فلما قدموا إلى الشام مرض بديل وكتب كتابا فيه جميع ما معه وطرحها في متاعه ولم يخبر صاحبه بذلك، فلما اشتد وجعه أوصى إلى تميم وعدي وأمرهما أن يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله، ومات بديل ففتشا متاعه فأخذا منه إناء من فضة منقوشا بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال فضة مموهة بالذهب فغيباه ثم قضيا حاجتهما وانصرفا وقدما المدينة فدفعا المتاع إلى أهل الميت ففتشوا (فوجدوا) الصحيفة فيها تسمية ما كان معه وما فيها الإناء فجاءوا تميما وعديا. فقالوا: هل باع صاحبنا شيئا من متاعه؟ قالا: لا، قالوا: فهل خسر تجارة؟ قالا: لا، قالوا: فهل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا: لا. قالوا: فإنا وجدنا في متاعه صحيفة فيها تسمية ما معه وإنا فقدنا فيها إناء من فضة مموهة بالذهب فها ثلاثمائة مثقال فضة. قالا: لا ندري إنما أوصى إلينا بشيء وأمرنا أن ندفعه إليكم ودفعناه وما لنا إلا من حكم،