وروى الهروي عن سفيان بن سعيد عمن سمع الضحاك بن مزاحم يقول: ما حفظ الرجل القرآن ثم نسيه إلا بذنب، ثم قرأ " * (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) *) قال: فنسيان القرآن أعظم المصائب.
وقال بعضهم: هذه الآية متصلة بما قبله، وتقديره: فما لهؤلاء القوم لم يكونوا يفقهون حديثا حتى يقولوا: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك؟ وتعلق أهل القدر بهذه الآية وقالوا: نفى الله السيئة عن نفسه بقوله " * (وما أصابك من مصيبة فمن نفسك) *) ونسبها إلى العبد، فيقال لهم: إن ما حكى الله تعالى لنبيه من قول المنافقين، إنهم قالوا إذا أصابتهم حسنة، هذه من عند الله، فإن تصبهم سيئة يقولوا: هذه من عندك، لم يرد به حسنات الكسب، ولا سيئاته، لأن الذي منك فعل غيرك بك لا فعلك، ولذلك نسب إلى غيرك.
كما قال * (إن تمسسكم حسنة تسؤهم) * * (وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه) *) وكل هذه سبب من الأسباب لامن الكسب ألا ترى إنه نسبها إلى غيرك، ولم يذكر بذلك ثوابا ولا عقابا، فلما ذكر حسنات العمل والكسب وسيآتهما نسبهما إليك وذكر فيها الثواب والعقاب. كقوله " * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) *) وكان ما حكى الله عن المنافقين من قولهم في الحسنات والسيئات لم يكن حسنات الكسب ولا سيئاته، ثم عطف عليه قوله " * (ما أصابك من حسنة فمن الله) *) إلى نفسك فلم يكن بقوله " * (فمن نفسك) *) مثبتا لما قد نفاه، ولا نافيا لما قد أثبته، لأن ذلك لا يجوز على الحكيم جل جلاله، لكن من السبب الذي استحق هذه المصيبة، وكان ذلك من كسبه، ومنه قوله " * (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) *) فجعل هذه المصيبة جزاء للفعل فإذا أوقع الجزاء لم يوقعه إلا على ما نسبه إلى العباد، كقوله * (جزاء بما كانوا يعملون) * * (جزاء بما كانوا يكسبون) *) وقوله " * (وما أصابك من سيئة فمن نفسك) *) ليس فيه دليل على إنه لا يريد السيئة ولا يفعلها ولكن ما كان جزاء، فنسبته إلى العبد على (طريق) الجزاء.
" * (وأرسلناك للناس) *) يا محمد " * (رسولا وكفى بالله شهيدا) *) على إنك رسول صادق.
وقيل فيك " * (وكفى بالله شهيدا) *) على أن الحسنة والسيئة كلها من الله " * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) *) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن أحبني (أحبه الله))، فقال بعض المنافقين: ما يريد هذا الرجل إلا أن نتخذه ربا، كما في