ابن أبي (حاتم) عن مجاهد قال: كان ناس مسترضعين في اليهود قريظة والنظير فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلاء بني النضير فقال نسائهم من الأوس الذين كانوا مسترضعين فيهم: لنذهبن معهم ولتذنبن بذنبهم فمنعهم أهلوهم وأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت هذه الآية " * (لا إكراه في الدين) *).
قتادة والضحاك وعطاء وأبو روق والواقدي: معنى " * (لا إكراه في الدين) *) بعد إسلام العرب إذا قبلوا الجزية، وذلك أن العرب كانت أمة أمية لم يكن لهم دين ولا كتاب فلم يقبل عنهم إلا الإسلام أو السيف وأكرهوا على الإسلام فلم يقبل منهم الجزية، ولما أسلموا ولم يبق أحد من العرب إلا دخل في الإسلام طوعا أو كرها، أنزل الله تعالى " * (لا اكراه في الدين) *) فأمر أن يقاتل أهل الكتاب والمجوس والصابئين على أن يسلموا أو أن يقروا بالجزية فمن أقر منهم بالجزية قبلت منه وخلى سبيله ولم يكره على الإسلام.
وقال مقاتل: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب، فلما أسلمت العرب طوعا أو كرها، قبل الخراج من غير أهل الكتاب فكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوي وأهل هجر يدعوهم إلى الإسلام:
(إن من شهد شهادتنا وصلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا وكان بديننا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فإن أسلمتم فلكم مالنا وعليكم ما علينا ومن أبى الإسلام فعليه الجزية).
فكتب المنذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم إني قرأت كتابك على أهل هجر فمنهم من أسلم ومنهم من أبى، فأما اليهود والمجوس فأقروا الجزية وكرهوا الإسلام فرضي النبي صلى الله عليه وسلم منهم بالجزية، فقال منافقوا أهل المدينة: زعم محمد أنه لم يؤمر بأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب فما باله قبله من مجوس هجر وقد رد ذلك على آبائنا وأخواننا حتى قتلهم، فشق ذلك على المسلمين، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى " * (لا إكراه في الدين) *) يعني بعد إسلام العرب.
وروى شريك عن عبد الله بن أبي هلال عن وسق قال: كنت مملوكا لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وكنت نصرانيا وكان يقول: يا وسق أسلم فإنك لو أسلمت لوليتك بعض أعمال المسلمين فإنه ليس يصلح أن يلي أمرهم من ليس على دينهم، فأبيت عليه فقال: " * (لا إكراه في الدين) *) فلما مات أعتقني، وقال ابن أبي نجيح: سمعت مجاهدا يقول لغلام له نصراني: يا جرير أسلم، ثم قال: هكذا كان يقال: (أم لا يكرهون)