تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ١ - الصفحة ١٥٣
كقوله: " * (فلما آسفونا انتقمنا منهم) *) أي أسخطونا، وقوله: " * (إن الذين يؤذون الله) *) أي أولياء الله؛ لأن الله سبحانه لا يؤذى ولا يخادع، فبين الله تعالى أن من آذى نبيا من أنبيائه ووليا من أوليائه استحق العقوبة كما لو آذى رسوله وخادعه. يدل عليه الخبر المروي: إن الله تعالى يقول: من آذى وليا من أوليائي فقد بارزني بالمحاربة.
وقيل: إن ذكر الله سبحانه في قوله: " * (يخادعون الله) *) تحسين وتزيين لسامع الكلام، والمقصد بالمخادعة للذين آمنوا كقوله تعالى: " * (واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه للرسول) *). ثم المخادعة على قدر المعاجلة وأكثر المفاضلة إنما تجيء في الفعل المشترك بين اثنين، كالمقاتلة والمضاربة والمشاتمة، وقد يكون أيضا من واحد كقولك: طارقت النعل، وعاقبت اللص، وعافاك الله، قال الله عز وجل: " * (وقاسمهما أني لكما لمن الناصحين) *) وقال: " * (قاتلهم الله) *) والمخادعة ها هنا عبارة عن الفعل الذي يختص بالواحد في حين الله تعالى لا يكون منه الخداع.
" * (والذين آمنوا) *) أي ويخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم: آمنا، وهم غير مؤمنين، وقال بعضهم: من خداعهم المؤمنين: هو أنهم كانوا يجالسون المؤمنين ويخالطونهم حتى يأنس بهم المؤمنون ويعدونهم من أنفسهم فيبثون إليهم أسرارهم فينقلونها إلى أعدائهم. قال الله تعالى:
" * (وما يخدعون إلا أنفسهم) *) لأن وبال خداعهم راجع إليهم كأنهم في الحقيقة يخدعون أنفسهم؛ وذلك أن الله تعالى لمطلع نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على أسرارهم ونفاقهم،) * فيفتضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب الشديد في العقبى.
قال أهل الإشارة: إنما يخادع من لا يعرف البواطن، فأما من عرف البواطن فإن من خادعه فإنما يخدع نفسه.
واختلف القراء في قوله: " * (وما يخدعون) *) فقرأ شيبة ونافع وابن كثير وابن أبي إسحاق وأبو عمرو بن العلاء: " * (يخادعون) *) بالألف جعلوه من المفاعلة التي تختص بالواحد، وقد ذكرنا خبره وتصديقها الحرف الأول، وقوله: " * (يخادعون الله) *) لم يختلفوا فيه إلا ما روي عن أبي حمزة الشامي إنه قرأ: (يخدعون الله) وقرأ الباقون " * (وما يخدعون) *) على أشهر اللغتين وأضبطهما واختاره أبو عبيد
(١٥٣)
مفاتيح البحث: ابن أبي إسحاق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»