ثم قال * (واغفر لأبي إنه كان من الضالين) * يعني إهده إلى الحق من الضلالة والشرك يعني إنه كان من المشركين في الحال كقوله عز وجل * (من كان في المهد صبيا) * [مريم: 29] يعني من هو في الحال صبي ويقال إنه كان من الضالين حين فارقته كقوله * (وكان وراءهم ملك) * [الكهف: 79] وهذا الاستغفار حين كان وعده بالإسلام وقال مقاتل إن إبراهيم عليه السلام قد كذب ثلاث كذبات وأخطأ ثلاث خطيئات وأبتلي بثلاث بليات وسقط سقطة فأما الكذبات فقوله * (إني سقيم) * [الصافات: 89] وقوله * (بل فعله كبيرهم هذا) * [الأنبياء: 63] وقوله لسارة حين قال هي أختي والخطايا قوله للنجم القمر والشمس * (هذا ربي) * [الأنعام: 78] وأما البليات حين قذف في النار والختان والأمر بذبح الولد وسقط سقطة حين دعا لأبيه وهو مشرك وقال غيره لم يكذب ولم يخطئ ولم يسقط لأنه قال * (إني سقيم) * يعني سأسقم لأن كل آدمي سيصيبه السقم وقوله * (بل فعله كبيرهم هذا) * قد قرنه بالشرط وهو قوله * (إن كانوا ينطقون) * [الأنبياء: 63] وقوله لسارة هي أخته فكانت أخته في الدين وقوله * (هذا ربي) * كان على وجه الإسترشاد لا للتحقيق ويقال كان ذلك القول على سبيل الإنكار والزجر يعني أمثل هذا ربي وأما دعاؤه لأبيه فلوعدة وعدها إياه وقد بين الله تعالى بقوله * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) * [التوبة: 114] يعني إن أباه وعده أنه سيؤمن فما دام حيا يرجو أو يدعو وإذا مات ضالا ترك الاستغفار ويقال إن إبراهيم كان وعده أن يستغفر له حيث قال * (سأستغفر لك ربي) * فاستغفر له ليكون منجز الوعد ثم قال * (ولا تخزني يوم يبعثون) * يعني لا تعذبني يوم يبعثون من قبورهم إلى ها هنا كلام إبراهيم وقد انقطع كلامه ثم إن الله تبارك وتعالى وصف ذلك اليوم فقال * (يوم لا ينفع مال ولا بنون) * يعني يوم القيامة لا ينفع الذي خلفوه في الدنيا وأما المال الذي أنفقوا في الخير فإنه ينفعهم * (ولا بنون) * يعني للكفار لأنهم كانوا يقولون * (نحن أكثر أموالا وأولادا) * [سبأ: 35] فأخبر الله تعالى أنه لا ينفعهم في ذلك اليوم المال ولا البنون وأما المسلمون فينفعهم المال والبنون لأن المسلم إذا مات ابنه قبله يكون له ذخرا وأجرا في الجنة وإن تخلف بعده فإنه يذكره بصالح دعائه فينفعه ذلك ثم قال * (إلا من أتى الله بقلب سليم) * يعني من جاء بقلب سليم يوم القيامة ينفعه المال والبنون ويقال * (إلا من أتى الله بقلب سليم) * فذلك الذي ينفعه والقلب السليم هو القلب المخلص وقال ابن عباس يعني بقلب خالص من الشرك
(٥٥٨)