تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل بن سليمان - ج ٢ - الصفحة ٢٩
وأمر ابني أخيه فأسلما، ففيهما نزلت: * (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) *، يعنى العباس وابني أخيه: * (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا) *، يعنى إيمانا، كقوله: * (لن يؤتيهم الله خيرا) * [هود: 31]، يعنى إيمانا، وهذا في هود، * (يؤتكم خيرا مما أخذ منكم) * من الفداء، فوعدهم الله أن يخلف لهم أفضل ما أخذ منهم، * (ويغفر لكم) * ذنوبكم، * (والله غفور) * لما كان منهم من الشرك من ذنوبهم، ذو تجاوز، * (رحيم) * [آية 701] بهم في الإسلام.
* (وإن يريدوا خيانتك) *، يعنى الكفر بعد إسلامهم واستحيائك إياهم، * (فقد خانوا الله من قبل) *، يقول: فقد كفروا بالله من قبل هذا الذي نزل بهم ببدر، * (فأمكن) * الله * (منهم) * النبي، عليه السلام، يقول: إن خانوا أمكنتك منهم فقتلتهم وأسرتهم كما فعلت بهم ببدر، * (والله عليم) * بخلقه، * (حكيم) * [آية: 71] في أمره، حكم أن يمكنه منهم.
فقال العباس بعد ذلك: لقد أعطاني الله خصلتين، ما من شيء هو أفضل منهما، أما أحدهما: فالذهب الذي أخذ منى، فآتاني الله خيرا منه عشرين عبدا، وأما الثانية: فتنجيز موعود الله الصادق، وهو المغفرة، فليس أحد أفضل من هذا. ومن كان من أسارى بدر وليس له فدى، فإنه يدفع إليه عشرة غلمان يعلمهم الكتاب، فإذا حذقوا برئ الأسير من الفداء وكان أهل مكة يكتبون، وأهل المدينة لا يكتبون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استشار أصحابه في أسارى بدر، فقال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: اقتلهم، فإنهم رؤوس الكفر وأئمة الضلال، وقال أبو بكر: لا تقتلهم، فقد شفي الله الصدور وقتل المشركين وهزمهم، فآدهم أنفسهم، ليكن ما نأخذ منهم في قوة المسلمين وعونا على حرب المشكرين، وعسى الله أن يجعلهم أعوانا لأهل الإسلام فيسلموا.
فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بقول أبى بكر الصديق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيما، وأبو بكر أيضا رحيما، وكان عمر ماضيا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقول أبى بكر، ففاداهم، فأنزل الله عز وجل
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»