ليذكروا بمسيرهم * (ويصدون عن سبيل الله) *، يقول: ويمنعون أهل مكة عن دين الإسلام، * (والله بما يعملون محيط) * [آية: 47] أحاط علمه بأعمالهم.
* (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس) *، وذلك أنه بلغهم أن العير قد نجت، فأرادوا الرجوع إلى مكة، فأتاهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكناني، من بنى مدلج بن الحارث، فقال: لا ترجعوا حتى تستأصلوهم، فإنكم كثير وعدوكم قليل، فتأمن عيركم، ويسير ضعيفكم، * (وإني جار لكم) * على بنى كنانة، أنكم لا تمرون بحي منهم إلا أمدكم بالخيل والسلاح والرجال، فأطاعوه ومضوا إلى بدر لما أراد الله من هلاكهم، فلما التقوا نزلت ملائكة ببدر مددا للمؤمنين، عليهم جبريل، عليه السلام، ولما رأى إبليس ذلك، نكص على عقبيه، يقول: استأخر وراءه.
فذلك قوله: * (فلما تراءت الفئتان) * فئة المشركين، * (نكص على عقبيه) *، يقول:
استأخر وراءه، أنه لا طاقة له بالملائكة، فأخذ الحارث بن هشام بيده، فقال: يا سراقة، على هذا الحال تخذلنا؟ * (وقال) * إبليس: * (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون) * فقال الحارث: والله ما نرى إلا خفافيش يثرب، فقال إبليس: * (إني أخاف الله والله شديد العقاب) * [آية: 48]، وكذب عدوا الله ما كان به الخوف، ولكن خذلهم عند الشدة، فقال الحارث لإبليس وهو في صورة سراقة: فهلا كان هذا أمس، فدفع إبليس في صدر الحارث، فوقع الحارث، وذهب إبليس هاربا، فلما انهزم المشركون، قالوا: انهزم بالناس سراقة، وهو بعض الصف، فلما بلغ سراقة سار إلى مكة، فقال:
بلغني أنكم تزعمون بأني انهزمت بالناس، فوالذي يحلف به ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم، قالوا له: ما أتيتنا يوم كذا وكذا، فحلف بالله لهم أنه لم يفعل، فلما أسلموا علموا أنما ذلك الشيطان.
* (إذ يقول المنفقون والذين في قلوبهم مرض) *، يعنى الكفر، نزلت في قيس بن الفاكه، ولم يتجمع جمع قط منذ يوم كانت الهزيمة أكثر من يوم بدر، وذلك أن إبليس جاء بنفسه، وجاء كل شيطان موكل بالدنيا، إلا شيطان موكل بآدمي، وكفر الجن