تدع على عبادي، فإني من عبادي على إحدى خصلتين: إما أن يتوب إلى قبل موته فأتوب عليه، وإما أن يموت فيدع خلفا صالحا فيستغفر لأبيه فأغفر لهما بدعائه.
* (فلما جن عليه اليل) *، دنا من باب السرب، وذلك في آخر الشهر، فرأى الزهرة أول الليل من خلال السرب ومن وراء الصخرة، والزهرة أحسن الكواكب، * (رءا كوكبا قال هذا ربي فلما أفل) *، يعني غاب، * (قال) * إبراهيم: * (لا أحب الآفلين) * [آية: 76]، يعني الغائبين الذاهبين، وربى لا يذهب ولا يغيب.
* (فلما) * كان آخر الليل، * (رءا القمر بازغا) *، يعني طالعا أعظم وأضوأ من الكواكب، * (قال هذا ربي) *، وهو ينظر إليه، * (فلما أفل) *، يعني غاب، * (قال لئن لم يهدني ربي) * لدينه * (لأكونن من القوم الضالين) * [آية: 77] عن الهدى.
* (فلما رءا الشمس بازغة) *، يعني طالعة في أول ما رآها ملأت كل شيء ضوءا، * (قال هذا ربي هذا أكبر) *، يعني أعظم من الزهرة والقمر، * (فلما أفلت) *، يعني غابت، عرف أن الذي خلق هذه الأشياء دائم باق، ورفع الصخرة، ثم خرج فرأى قومه يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما تعبدون؟ قالوا: نعبد ما ترى، * (قال يا قوم) *، عبادة رب واحد خير من عبادة أرباب كثيرة، و * (إني بريء مما تشركون) * [آية: 78] بالله من الآلهة، قالوا: فمن تعبد يا إبراهيم؟ قال: أعبد الله الذي خلق السماوات والأرض حنيفا، يعني مخلصا لعبادته، وما أنا من المشركين، وذلك قوله: * (إني وجهت وجهي) *، يعني ديني * (للذي فطر السماوات والأرض حنيفا) *، يعني مخلصا، * (وما أنا من المشركين) * [آية: 79].
ثم إن نمروذ بن كنعان الجبار خاصم إبراهيم، فقال: من ربك؟ قال إبراهيم: ربى الذي يحيى ويميت، وهو قوله: * (وحاجه قومه) *، فعمد نمروذ إلى إنسان فقتله، وجاء بآخر فتركه، فقال: أنا أحييت هذا وأمت ذلك، قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق، فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر، يعني نمروذ، قوله: * (وحاجه قومه) *، وذلك أنهم لما سمعوا إبراهيم، عليه السلام، عاب آلهتهم وبرئ منها، قالوا لإبراهيم: إن لم تؤمن بآلهتنا، فإنا نخاف أن تخبلك وتفسدك فتهلك، فذلك قوله: * (وحاجه قومه) *، يعني وخاصمه قومه، * (قال أتحاجوني في الله وقد هدان) * لدينه، * (ولا أخاف ما تشركون به) *، يعني بالله من الآلهة، وهي لا تسمع ولا تبصر شيئا، ولا تفع ولا تضر،