قوله سبحانه: * (وأنزلنا إليك الكتاب) * يا محمد صلى الله عليه وسلم، * (بالحق) *، يعني القرآن بالحق، لم ننزله عبثا ولا باطلا لغير شيء، * (مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) *، يقول: وشاهدا عليه، وذلك أن قرآن محمد صلى الله عليه وسلم شاهد بأن الكتب التي أنزلت قبله أنها من الله عز وجل، * (فاحكم بينهم بما أنزل الله) * إليك في القرآن، * (ولا تتبع أهواءهم) *، يعني أهواء اليهود، * (عما جاءك من الحق) *، وهو القرآن، * (لكل جعلنا منكم شرعة) *، يعني من المسلمين وأهل الكتاب، * (شرعة) *، يعني سنة، * (ومنهاجا) *، يعني طريقا وسبيلا، فشريعة أهل التوراة في قتل العمد القصاص ليس لهم عقل ولا دية، والرجم على المحصن والمحصنة إذا زنيا.
وشريعة الإنجيل في القتل العمد العفو، ليس لهم قصاص ولا دية، وشريعتهم في الزنا، الجلد بلا رجم، وشريعة أمة محمد صلى الله عليه وسلم في قتل العمد القصاص والدية والعفو، وشريعتهم في الزنا إذا لم يحصن الجلد، فإذا أحصن فالرجم، * (ولو شاء الله لجعلكم) * يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأهل الكتاب، * (أمة واحدة) * على دين الإسلام وحدها، * (ولكن ليبلوكم) *، يعني يبتليكم * (في ما آتاكم) *، يعني فيما أعطاكم من الكتاب والسنة من يطع الله عز وجل فيما أمر ونهى، ومن يعصه * (فاستبقوا الخيرات) *، يقول: سارعوا في الأعمال الصالحة يا أمة محمد، فيما ذكر من السبيل والسنة، * (إلى الله مرجعكم جميعا) * في الآخرة أنتم وأهل الكتاب، * (فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) * [آية: 48] في الدين.
قوله سبحانه: * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * إليك في الكتاب، يعني بين اليهود، وذلك أن قوما من رؤوس اليهود من أهل النصير اختلفوا، فقال: بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه ونرده عما هو عليه، فإنما هو بشر إذن فيستمع، فأتوه فقالوا له:
هل لك أن تحكم لنا على أصحابنا أهل قريظة في أمر الدماء كما كنا عليه من قبل، فإن فعلت، فإنا نبايعك ونطيعك، وإنا إذا بايعناك تابعك أهل الكتاب كلهم؛ لأنا سادتهم وأحبارهم، فنحن نفتنهم ونزلهم عما هم عليه حتى يدخلوا في دينك.
فأنزل الله عز وجل يحذر نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: * (ولا تتبع أهواءهم) * في أمر الدماء، * (واحذرهم أن يفتنوك) *، يعني أن يصدوك، * (عن بعض ما أنزل الله إليك) * من أمر