سكينة من ربكم) *، ورأس كرأس الهرة، ولها جناحان، فإذا صوتت عرفوا أن النصر لهم، فكانوا يقدمونها أمام الصف، * (وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون) *، يعني بالبقية رضراضا من الألواح وقفير من في طست من ذهب وعصا موسى، عليه السلام، وعمامته، وكان التابوت يكون مع الأنبياء إذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوهم، فلما تفرقت بنو إسرائيل وعصوا الأنبياء، سلط الله عز وجل عليهم عدوهم، فقتلوهم وغلبوهم على التابوت، فدفنوه في مخرأة لهم، فابتلاهم الله عز وجل بالبواسير، فكان الرجل إذا تبرز عند التابوت أخذه الباسور، ففشى ذلك فيهم فهجروه، فقالوا: ما ابتلينا بهذه إلا بفعلنا بالتابوت، فاستخرجوه، ثم وجهوه إلى بني إسرائيل على بقرة ذات لبن، وبعث الله عز وجل الملائكة، فساقوا العجلة، فإذا التابوت بين أظهرهم، فذلك قوله سبحانه، * (تحمله الملائكة) *، يعني تسوقه الملائكة، * (إن في ذلك) *، يعني في رد التابوت، * (لآية لكم إن كنتم مؤمنين) [آية: 248]، يعني مصدقين بأن طالوت ملكه من الله عز وجل.
وكان التابوت من عود الشمشار التي تتخذ منه الأمشاط الصفر مموه بالذهب، فلما رأوا التابوت أيقنوا بأن ملك طالوت من الله عز وجل، فسمعوا له وأطاعوا، وكان موسى عليه السلام، ترك التابوت في التيه قبل موته عند يوشع بن نون، ثم إن طالوت تجهز لقتال جالوت، وقال النبي إسماعيل لطالوت: إن الله عز وجل سيبعث رجلا من أصحابك فيقتل جالوت، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم درعا، فقال لطالوت: من صلحت هذه الدرع عليه، لم تقصر عليه، ولم تطل، فإنه قاتل جالوت، فاجعل لقاتله نصف ملكك ونصف مالك.
فبلغ ذلك داود النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرعى الغنم في الجبل فاستودع غنمه ربه جل وعز، فقال: آتي الناس وأطالع أخوتي، وهم سبعة من طالوت، وانظر ما هذا الخبر، فمر داود، عليه السلام، على حجر، فقال: يا داود خذني، فأنا حجر هارون الذي به قتل كذا وكذا، فارم بي جالوت الجبار، فأقع في بطنه، فأنفذ من جانبه الآخر، فأخذه فألقاه في مخلاته، ثم مر بحجر آخر، فقال له: يا داود خذني، فأنا حجر موسى الذي قتل بي كذا وكذا، فارم بي جالوت، فأقع في قلبه فأنفذ من الجانب الآخر، فألقاه في مخلاته، ثم مر بحجر آخر، فقال: يا داود خذني، فأنا الذي أقتل جالوت الجبار، فأستعين بالريح فتلقى البيضة فأقع في دماغه فأقتله، فأخذه فألقاه في مخلاته.