الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ١٠
لغة العرب - كما بينا سابقا - تسمح بذلك لبيان عظمة المشار إليه، فالمراد أن لشأن القرآن عظمة، وكأنه في موضع بعيد جدا بين طيات السماء لا يناله إلا من ملك مستلزمات التحليق إليه. ويقارب ذلك ما نتداوله فيما بيننا عند تعظيم شخص معين فنقول له مثلا: (إن سمح لنا ذلك السيد أن...) فنستعمل (ذلك) مع كون الشخص مخاطبا.
وأما بشأن مجئ صيغة " قرآن " نكرة فلبيان عظمته أيضا، وذكر " القرآن " بعد " الكتاب " تأكيد، ووصفه بال‍ " مبين " لأنه يظهر الحقائق ويبين الحق من الباطل.
وأما ما احتمله بعض المفسرين من أن المراد بكلمة " الكتاب " إشارة إلى التوراة والإنجيل، فهو كما يبدو بعيد جدا ويفتقد إلى الدليل.
ثم يحذر الذين يصرون على الفساد ومخالفة آيات الله الجلية، ويخبر بأنهم سوف يندمون حين ينكشف الغطاء يوم القيامة بما كسبت أيديهم من كفر وتعصب أعمى وعناد. ويقول: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.
فالمراد بكلمة " يود " التمني حسب ما ورد في تفسير الميزان، وذكر كلمة " لو " للدلالة على تمنيهم الإسلام في وقت لا يمكنهم فيه العودة إلى ما كانوا ينكرون، وهذه إشارة إلى أن تمنيهم سيكون في العالم الآخر وبعد معاينة نتائج الأعمال.
ويؤيد هذا المعنى وما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: " ينادي مناد يوم القيامة يسمع الخلائق إنه لا يدخل الجنة إلا مسلم، فثم يود سائر الخلائق أنهم كانوا مسلمين ". (1)

1 - مجمع البيان، ج 3، ص 328، كذلك ورد الحديث الأول في تفسير الثقلين عن تفسير العياشي، وأورد الفخر الرازي في تفسيره حديثا يشابه الحديث الثاني مع تفاوت يسير، وذكر في تفسير الطبري أيضا عدة أحاديث في مضمون الحديث الثاني ضمن تفسير الآية المذكورة.
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 2 5 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»