الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٢٣٢
ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون.
لقد تناولت آيات قرآنية كثيرة مسألة إحياء الأرض بواسطة نزول الأمطار من السماء، فكم من أرض يابسة أو ميتة أحيانا أو أصابها الجفاف فأخرجها عن مجال الاستفادة من قبل الإنسان، ونتيجة لما وصلت إليه من وضع قد يخيل للإنسان أنها أرض غير منبتة أصلا، ولا يصدق بأنها ستكون أرض معطاء مستقبلا - ولكن، بتوالي سقوط المطر عليها وما يبث عليها من أشعة الشمس، ترى وكأنها ميت قد تحرك حينما تدب فيه الروح من جديد، فتسري في عروقها دماء المطر وتعادلها الحياة، فتعمل بحيوية ونشاط وتقدم أنواع الورود والنباتات، ومن ثم تتجه إليها الحشرات والطيور وأنواع الحيوانات الأخرى من كل جانب، وبذلك... تبدأ عجلة الحياة على ظهرها بالدوران من جديد.
وخلاصة المقال أنه سيبقى الإنسان مبهوتا أمام تحول الأرض الميتة إلى مسرح جديد للحياة، وهذا بحق من أعظم عجائب الخلقة.
وهذا المظهر من مظاهر قدرة وعظمة الخالق عز وجل يدلل بما لا يقبل الشك على إمكان المعاد، وما ارتداء الأموات لباس الحياة الجديد إلا أمر خاضع لقدرته سبحانه.
وإن نعمة الأمطار (التي لا يتحمل الإنسان أي قسط من أمر إيجادها) دليل آخر على قدرة وعظمة الخالق سبحانه.
وبعد ذكر نعمة الماء (الذي يعتبر الخطوة الأولى على طريق الحياة) يشير القرآن الكريم إلى نعمة وجود الأنعام، وبخصوص ما يؤخذ منها من اللبن كمادة غذائية كثيرة الفائدة، فيقول: وأن لكم في الأنعام لعبرة.
وأية عبرة أكثر من أن: نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين.
" الفرث " لغة: بمعنى الأغذية المهضومة في المعدة والتي بمجرد وصولها إلى
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»