يجعلون تعليم القرآن مهورا للنساء. فكان للقرآن الحضور الفاعل في كل صغيرة وكبيرة من شؤون المسلمين، حتى أن الطفل ينمو على هديه.
ومرة أخرى نقول: أو يعقل أن يصاب هذا الكتاب السماوي المقدس بسهام التحريف والتغيير وهو محفوظ في قلوب وسلوك المسلمين على مر التأريخ؟!
لقد تم جمع القرآن - كما ذكرنا في المجلد الأول من هذا التفسير - في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واهتم به المسلمون الأوائل أقصى درجات الاهتمام، في مجال تعلم أحكامه وحفظه، لدرجة أصبحت فيها مكانة الفرد الاجتماعية تقاس بقدر حفظه من سور القرآن الكريم، حتى أصبح عدد حفاظ القرآن من الكثرة بحيث أنه في إحدى المعارك قتل فيها أربعة آلاف منهم (1).
وكذلك الحال في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما استشهد سبعون رجلا من الصحابة الذين حفظوا القرآن في معركة بئر معونة - وهي إحدى المناطق المجاورة للمدينة - (2).
من هذين المثلين (وأمثالهما كثير) يتضح لنا أن حفظة وقراء ومعلمي القرآن الكريم من الكثيرة بحيث يستشهد منهم في معركة واحدة ذلك العدد الضخم.
وهذا طبيعي جدا إذا ما نظرنا إلى طريقة تعامل المسلمين مع القرآن، باعتباره القانون الحاكم النافذ، والكتاب المقدس الذي لا يوجد سواه.
لم يكن القرآن الكريم كتابا مهملا في زوايا البيوت والمساجد يعلوه غبار النسيان حتى تسنح الفرصة لمن يريد أن يزيد فيه أو ينقص، بل إن مسألة حفظه كانت وما زالت عبادة عظيمة وسنة متبعة تمتد جذورها في عمق التاريخ الإسلامي.
وبعد أن ظهرت الطباعة كان القرآن الكريم أكثر الكتب من حيث الطبع