أشد عليه، فإن إطلاق التخييل قد مضى له في مثل قوله - والأرض جميعا قبضته يوم القيامة - وفى مثل قوله - بل يداه مبسوطتان - وإنما أراد به حمل الأيدي على نوع من المجاز، فمعنى كلامه صحيح لأنا نعتقد فيهما المجاز وندين الله بتقديسه عن المفهوم الحقيقي فلا بأس عليه في معنى إطلاقه، غير أنا مخاطبون باجتناب الألفاظ الموهمة في حق جلال الله تعالى وإن كانت معانيها صحيحة، وأي إيهام أشد من إيهام لفظ التخييل، ألا ترى كيف استعمله الله فيما أخبر أنه سحر وباطل في قوله - يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى - فلا يشك في وجوب اجتنابه، ثم يعود بنا الكلام إلى إطلاقه ههنا فنقول: هو منكر لفظا ومعنى، أما اللفظ فقد تقدم، وأما المعنى فلأنا نعتقد أن سؤال جهنم وجوابها حقيقة وأن الله تعالى يخلق فيها الإدراك بذلك بشرطه، وكيف نفرض وقد وردت الاخبار وتظاهرت على ذلك: منها هذا، ومنها لجاج الجنة والنار، ومنها اشتكاؤها إلى ربها فأذن لها في نفسين، وهذه وإن لم تكن نصوصا فظواهر يجب حملها على حقائقها لأنا متعبدون باعتقاد الظاهر مالم يمنع مانع، ولا مانع ههنا فإن القدرة صالحة والعقل يجوز والظواهر قاضية بوقوع ما صوره العقل، وقد وقع مثل هذا قطعا في الدنيا كتسليم الشجر وتسبيح الحصا وفى كف النبي صلى الله عليه وسلم وفى يد أصحابه، ولو فتح باب المجاز والعدول عن الظاهر في تفاصيل المقالة لاتسع الخرق وضل كثير من الخلق عن الحق، وليس هذا كالظواهر الواردة في الإلهيات مما لم يجوز العقل اعتقاد ظاهرها، فإن العدول فيها عن ظاهر الكلام بضرورة الانقياد إلى أدلة العقل المرشدة إلى المعتقد الحق فاشدد يدك بما فصل في هذا الفصل مما أرشدتك به إلى منهج القرب والوصل، والله الموفق.
قوله تعالى (من خشى الرحمن بالغيب) قال فيه: إن قلت: كيف قرن الخشية باسمه الدال على سعة الرحمن الخ؟)