تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٧٠٤
لا يتخلف منهم أحد، وذلك للكثرة العظيمة.
فسار سليمان بجنوده * (حتى إذا أتوا على واد النمل) * وهو واد بالطائف أو بالشام كثير النمل، وإنما عدي * (أتوا) * ب‍ * (على) * لأن إتيانهم كان من فوق، أو هو من قولهم: أتى على الشئ: إذا أنفذه وبلغ آخره، كأنهم أرادوا أن ينزلوا عند مقطع الوادي، لأنهم ما دامت الريح تحملهم في الهواء لا يخاف عليهم الحطم. ويمكن أن يكون جنود سليمان كانوا ركبانا ومشاة في ذلك الوقت ولم تحملهم الريح، أو كانت القصة قبل أن سخر الله الريح له. ولما كان صوت النمل مفهوما لسليمان عبر عنه بالقول، ولما جعلت النملة قائلة والنمل مقولا لهم كما في " أولي العقول " أجرى خطابهم، و * (لا يحطمنكم) * جواب الأمر أو نهي بدل من الأمر، لأن " ادخلوا في مساكنكم " في معنى: لا تكونوا حيث أنتم، والمراد: لا يحطمنكم جنود سليمان، فجاء بما هو أبلغ، ونحوه: عجبت من نفسي ومن إشفاقها.
* (فتبسم ضاحكا من قولها) * أي: أخذ في الضحك، يعني: أنه قد تجاوز التبسم إلى الضحك، وكذلك ضحك الأنبياء، وإنما ضحك لإعجابه بما دل من قولها على ظهور شفقة جنوده وشهرة حالهم في التقوى حيث قالت: * (وهم لا يشعرون) *، أو لسروره بما آتاه الله من إدراكه بسمعه ما همس به أصغر خلق الله وإحاطته بمعناه، ولذلك قال: * (رب أوزعني) * أي: اجعلني أزع شكر نعمتك عندي، وأرتبطه لا ينفلت (1) عني، حتى لا أزال شاكرا لك وذاكرا إنعامك * (على وعلى والدي) * بأن أكرمته بالنبوة وغيرها، وعلى والدتي بأن زوجتها نبيك، جعل النعمة عليهما نعمة عليه يلزمه شكرها * (وأن أعمل صلحا ترضه) * استوقفه سبحانه لزيادة العمل الصالح في المستقبل * (في عبادك الصالحين) * إبراهيم

(1) في نسخة: " ينقلب ".
(٧٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 699 700 701 702 703 704 705 706 707 708 709 ... » »»