لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه تلك المخاطبات في أحسن ترتيب، فطلب منه العلة أولا في عبادته * (ما لا يسمع ولا يبصر) * مع أن العبادة لا يستحقها إلا المنعم الذي له غاية الإنعام، وهو الله الخالق الرازق الذي منه أصول النعم، ثم دعاه إلى اتباعه بأن قال: * (قد جاءني من العلم) * بالله والمعرفة به * (ما لم يأتك) *، ثم نهاه عن عبادة * (الشيطان) * وطاعته فيما يدعوه إليه، وذكر عصيان * (الشيطان... للرحمن) * واستكباره، ثم خوفه سوء العاقبة لما هو فيه، وصدر كل نصيحة من هذه النصائح بقوله: * (يا أبت) * استعطافا له، والتاء في * (يا أبت) * عوض من ياء الإضافة، فلا يقال: يا أبتي، وقرئ: " يا أبت " بفتح التاء (1)، و * (ما) * في * (ما لا يسمع) * و * (ما لم يأتك) * يجوز أن تكون موصولة وموصوفة، والمفعول في * (لا يسمع) * و * (لا يبصر) * غير منوي، والمراد: ما ليس به استماع ولا إبصار، و * (شيئا) * في موضع المصدر، أي: شيئا من الغناء، أو مفعول به من قولهم: أغن عني وجهك، أي: أبعد عني.
* (أراغب أنت عن آلهتي) * أي: أمعرض أنت عن عبادة آلهتي التي هي الأصنام، وزاهد فيها؟ * (لئن لم) * تمتنع عن هذا * (لأرجمنك) * أي: لأرمينك بلساني، يريد الشتم والذم، ومنه الرجيم: المرمي باللعن، أو لأقتلنك من رجم الزاني، أو لأطردنك رميا بالحجارة، وأصل الرجم: الرمي بالرجام * (مليا) * أي:
زمانا طويلا، من الملاوة، وعطف * (واهجرني) * على محذوف، أي: لأرجمنك فاحذرني واهجرني.
* (سلم عليك) * سلام توديع ومتاركة ومباعدة منه، كقوله: * (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما) * (2) ويجوز أن يكون دعاء له بالسلامة استمالة، ويدل عليه