____________________
في الدارين جميعا، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا، وأنه يوفيهم جزاءهم الحق الواجب الذي هم أهله حتى يعلموا عند ذلك (أن الله هو الحق المبين) فأوجز في ذلك وأشبع وفصل وأجمل وأكد وكرر وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلا ما هو دونه في الفظاعة وما ذاك إلا لأمر. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان بالبصرة يوم عرفة، وكان يسأل عن تفسير القرآن حتى سئل عن هذه الآيات فقال: من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته، إلا من خاض في أمر عائشة.
وهذه منه مبالغة وتعظيم لأمر الإفك. ولقد برأ الله تعالى أربعة بأربعة: برأ يوسف بلسان الشاهد - وشهد شاهد من أهلها - وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه، وبرأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها - إني عبد الله - وبرأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات. فانظركم بينها وبين تبرئه أولئك، وما ذاك إلا لاظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتنبيه على إنافة محل سيد ولد آدم وخيرة الأولين والآخرين وحجة الله على العالمين، ومن أراد أن يتحقق عظمة شأنه صلى الله عليه وسلم وتقدم قدمه وإحرازه لقصب السبق دون كل سابق فليتلق ذلك من آيات الإفك وليتأمل كيف غضب الله له في حرمته وكيف بالغ في نفى التهمة عن حجابه. فإن قلت: إن كانت عائشة هي المرادة فكيف قيل المحصنات؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يراد بالمحصنات أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يخصصن بأن من قذفهن فهذا الوعيد لاحق به، وإذا أردن وعائشة كبراهن منزلة وقربة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت المرادة أولا. والثاني أنها أم المؤمنين، فجمعت إرادة لها ولبناتها من نساء الأمة الموصوفات بالاحصان والغفلة والايمان كما قال: * قدني من نصر الخبيئين قذى * أراد عبد الله بن الزبير وأشياعه، وكان أعداؤه يكنونه بخبيب ابنه وكان مضعوفا، وكنيته المشهورة أبو بكر، إلا أن هذا في الاسم وذاك في الصفة. فإن قلت ما معنى قوله - هو الحق المبين -؟ قلت: معناه ذو الحق المبين: أي العادل الظاهر العدل الذي لا ظلم في حكمه، والمحق الذي لا يوصف بباطل، ومن هذه صفته لم تسقط عنده إساءة مسئ ولا إحسان محسن، فحق مثله أن يتقى
وهذه منه مبالغة وتعظيم لأمر الإفك. ولقد برأ الله تعالى أربعة بأربعة: برأ يوسف بلسان الشاهد - وشهد شاهد من أهلها - وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه، وبرأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها - إني عبد الله - وبرأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات. فانظركم بينها وبين تبرئه أولئك، وما ذاك إلا لاظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتنبيه على إنافة محل سيد ولد آدم وخيرة الأولين والآخرين وحجة الله على العالمين، ومن أراد أن يتحقق عظمة شأنه صلى الله عليه وسلم وتقدم قدمه وإحرازه لقصب السبق دون كل سابق فليتلق ذلك من آيات الإفك وليتأمل كيف غضب الله له في حرمته وكيف بالغ في نفى التهمة عن حجابه. فإن قلت: إن كانت عائشة هي المرادة فكيف قيل المحصنات؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يراد بالمحصنات أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يخصصن بأن من قذفهن فهذا الوعيد لاحق به، وإذا أردن وعائشة كبراهن منزلة وقربة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت المرادة أولا. والثاني أنها أم المؤمنين، فجمعت إرادة لها ولبناتها من نساء الأمة الموصوفات بالاحصان والغفلة والايمان كما قال: * قدني من نصر الخبيئين قذى * أراد عبد الله بن الزبير وأشياعه، وكان أعداؤه يكنونه بخبيب ابنه وكان مضعوفا، وكنيته المشهورة أبو بكر، إلا أن هذا في الاسم وذاك في الصفة. فإن قلت ما معنى قوله - هو الحق المبين -؟ قلت: معناه ذو الحق المبين: أي العادل الظاهر العدل الذي لا ظلم في حكمه، والمحق الذي لا يوصف بباطل، ومن هذه صفته لم تسقط عنده إساءة مسئ ولا إحسان محسن، فحق مثله أن يتقى