التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٥٤٩
بخبر الله وشكا فيه. وقال السدي: إنما سألوا أن يريهم حظهم من النعيم في الجنة حتى يؤمنوا. وقيل: إنما سألوا أن يعجل كتبهم التي يقرؤنها في الآخرة استهزاء منهم بهذا الوعيد. والقط الكتاب قال الأعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته * بأمته يعطي القطوط ويأفق (1) أي كتب الجوائز، لأنها قطع نصيب لكل واحد بما كتب. والتعجيل فعل الشئ قبل وقته الذي ينبغي أن يفعل فيه. والقط النصيب وأصله القطع من قولك قطه يقطه قطا مثل قده يقده قدا، ومنه قولهم: ما رأيته قط أي قطع الدهر الذي مضى " قبل يوم الحساب " أي قبل اليوم الذي يحاسب فيه الخلق ويجازون فيه على أعمالهم على ما يقولونه فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله " اصبر على ما يقولون " أي احبس نفسك على أذاهم وصبرها على أقوالهم " واذكر عبدنا داود ذا الأيد " ترغيبا له في الصبر المأمور به وإن لك يا محمد فيه من إحسان الله إليك على نحو إحسانه إلى داود قبلك، وأنه لو شاء لأعطاك في الدنيا مثل ما أعطى داود ولكنه دبر لك ما هو أعودلك.
وقوله " ذا الأيد " قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: معناه ذا القوة، ومنه قوله " والسماء بنيناها بأيد " (2) أي بقوة، وقوله " إنه أواب " قال ابن زيد: معناه تواب وبه قال مجاهد، وهو من آب يؤب أي رجع إلى الله فلذلك مدحه.
ثم اخبر تعالى عن نعمه التي أنعم بها على داود، فقال " إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق " ومعناه إنها كانت تسير بأمر الله معه حيث سار بالغداة والعشي فسمى الله ذلك تسبيحا لما في ذلك من

(1) ديوانه 117 * (دار بيروت) * (2) سورة 51 الذاريات آية 47
(٥٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 ... » »»
الفهرست