أحسن الله كل شئ خلقه على إرادته ومشيئته، وأحسن الانسان وخلقه في أحسن صورة. وقيل: معناه إن وجه الحكمة قائم في جميع أفعاله، ووجوه القبح منتفية منها، ووجه الدلالة قائم فيها على صانعها، وكونه عالما. والضمير في قوله " خلقه " كناية عن اسم الله.
لما اخبر الله تعالى انه الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام واستولى على العرش، وانه الذي يدبر الأمور ما بين السماوات والأرض بين - ههنا - ان الذي يفعل ذلك ويقدر عليه هو " عالم الغيب والشهادة " أي يعلم السر والعلانية " العزيز " في انتقامه من أعدائه " الرحيم " بعباده، المنعم عليهم، و (الغيب) خفاء الشئ عن الادراك. والشهادة ظهوره للادراك فكأنه قال: يعلم ما يصح أن يشاهد، وما لا يصح أن يشاهد فيدخل في ذلك المعدوم والحياة والموت والقدرة وجميع ما لا يصح عليه الرؤية. والعزيز: هو القادر على منع غيره ولا يقدر الغير على منعه، وأصله المنع من قولهم: من عزبز، من غلب سلب، لان من غلب أسيره فمنعه أخذ سلبه.
ثم قال الذي أحسن كل شئ خلقه، ومعنى ذلك في جميع ما خلقه الله تعالى وأوجده فيه وجه من وجوه الحكمة، وليس فيه وجه من وجوه القبح.
وذلك يدل على أن الكفر والضلال وسائر القبائح ليست من خلقه. ولفظة (كل) وإن كانت شاملة للأشياء كلها، فالمراد به الخصوص - ههنا - لأنه أراد ما خلقه الله تعالى من مقدوراته دون مقدور غيره، ونصب قوله " خلقه " بالبدل من قوله " كل شئ " كما قال الشاعر:
وظعني إليك الليل حضنيه انني * لتلك إذا هاب الهداي فعول (1)