التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٣١٣
أو ما يعظم عظم عبادة غيره، وكل مشرك كافر، وكل كافر مشرك. ثم قال تعالى " ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء " أي من أشرك بعبادة الله غير الله، كان بمنزلة من وقع من السماء، " فتخطفه الطير " أي تتناوله بسرعة وتستلبه. والاختطاف والاستلاب واحد. يقال: خطفه يخطفه خطفا، وتخطفه تخطفا إذا أخذه من كل جهة بسرعة. وقرا ابن عامر " فتخطفه " بتشديد الطاء، بمعنى فتختطفه، فنقل فتحة الطاء إلى الخاء، وأدغم التاء في الطاء. الباقون بالتخفيف، وهو الأقوى لقوله " الا من خطف الخطفة " (1).
وقوله (أو تهوي به الريح في مكان سحيق) والسحيق البعيد. والمعنى أن من أشرك بالله غيره كان هالكا بمنزلة من زل من السماء، واستلبه الطير ورمى به الريح في مكان بعيد، فإنه لا يكون إلا هالكا. وقيل: شبه المشرك بحال الهاوي في أنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا يوم القيامة. وقيل: شبه أعمال الكفار أنها تذهب فلا يقدر على شئ منها - في قول الحسن - وقوله " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " قال سيبويه: تقديره ذلك الامر من يعظم، فالشعائر علامات مناسك الحج كلها، منها رمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة وغير ذلك - في قول ابن زيد - وقال مجاهد: هي البدن، وتعظيمها استسمانها واستحسانها. والشعيرة العلامة التي تشعر بها، لما جعلت له، وأشعرت البدن إذا علمتها بما يشعر أنها هدي.
وقوله " فإنها من تقوى القلوب " فالكناية في قوله " فإنها " تعود إلى التعظيم.
ويجوز أن تعود إلى الخصلة من التعظيم. وقيل: شعائر الله دين الله. وقوله " فإنها من تقوى القلوب " معناه إن تعظيم الشعائر من تقوى القلوب أي من خشيتها.

(1) سورة 37 الصافات آية 10.
(٣١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 ... » »»
الفهرست