التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ١٧٣
ذلك من نعمه عليه ومننه لديه. فقال " ولقد مننا عليك مرة أخرى " والمن نعمة يقطع صاحبها بها عن غيره باختصاصها به. يقال: من عليه يمن منا إذا أنعم عليه نعمة يقطعه إياها. واصله القطع، ومنه قوله " لهم اجر غير ممنون " (1) اي غير مقطوع.
وحبل منين: أي منقطع. والمرة الكرة الواحدة من المر، وذلك أن نعمة الله (عز وجل) عليه مستمرة، فذكره الإجابة مرة وقبلها مرة أخرى. وقوله (إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى) أي كانت هذه النعمة عليك حين أوحينا إلى أمك ما يوحى، قال قوم: أراد انه ألهمها ذلك. وقال الجبائي: رأت في المنام أن اقذفيه في التابوت، ثم اقذفيه في اليم، والقذف هو الطرح، واليم البحر قال الراجز:
كنازح اليم سقاه اليم (2) وقيل: المراد به ههنا النيل. وقوله " فليلقه اليم بالساحل " جزاء وخبر أخرج مخرج الامر ومثله " اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم " والتقدير فاطر حيه في اليم فليلقه اليم بالساحل. وقوله " يأخذه عدو لي وعدو له " يعني فرعون. وكان عدو الله بكفره وحدانيته وادعائه الربوبية، وكان عدو موسى، لتصوره أن ملكه ينقرض على يده.
وقوله " وألقيت عليك محبة مني " معناه إني جعلت من رآك أحبك حتى أحبك فرعون، فسلمت من شره، واحبتك امرأته آسية بنت مزاحم فتبنتك.
وقوله " ولتصنع على عيني) قال قتادة: معناه لتغذى على محبتي وإرادتي، وتقديره وأنا أراك، يجري امرك على ما أريد بك من الرفاهة في غذائك، كما يقول القائل لغيره: أنت مني بمرءا ومستمع أي انا مراع لاحوالك. وقوله " إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله " قيل إن موسى امتنع أن يقبل ثدي مرضعة

(1) سورة 41 حم السجدة (فصلت) آية 8 وسورة 84 الانشقاق آية 25 وسورة 95 التين آية 6 (2) مر تخريجه في 4 / 557 من هذا الكتاب
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست