التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٧٦
يمتنع أن يتفاضل المؤمنون في الطاعات وان لم يتفاضلوا في الايمان، يبين ذلك أنه قال في أول الآية " إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " ووجل القلب ليس بواجب بلا خلاف، وإنما ذلك من المندوبات. وقوله " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون " لأنه إذا صدق بآية آية انها من عند الله، فلا شك ان معارفه تزداد وإن لم يزد بفعل الجوارح.
وقوله " الذين يقيمون الصلاة " يدخل في ذلك الفرائض والنوافل، ولا شك أن الاخلال بالنوافل لا يخرج من الايمان ولا ينقص منه عند الأكثر. والانفاق أيضا قد يكون بالواجب والنفل. والاخلال بما ليس بواجب منه لا يخرج من الايمان بلا خلاف. وقوله " أولئك هم المؤمنون حقا " يبين ذلك أنه أشار به: إلى خيارهم وأفاضلهم، لأن هذه أوصافهم فمن أين ان غيرهم وإن كان دونهم في المنزلة لا يكون مؤمنا؟!
وقال ابن عباس: أراد ان المنافق لا يدخل قلبه شئ من ذلك عند ذكر الله.
وأن هذه الأوصاف منتفية عنه.
والوجل والخوف والفزع واحد، يقال وجل فلان يوجل وجلا، ويقال ياجل وييجل وأفصحها يوجل. قال الله تعالى " لا توجل " أي لا تخف وقال الشاعر:
لعمرك ما أدري وإني لا وجل * على أينا تعدوا المنية أول (1) وإنما وصفهم بالوجل - ههنا - وباطمئنان القلوب في قوله: " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله " (2) لان الوجل يكون بالخوف من عقابه وبارتكاب معاصيه.
والاطمئنان بذكر الله معناه: ينعمه وعدله، ووصفهم بالوجل يكون في دار الدنيا، وأما في الآخرة فإنه " لا يحزنهم الفزع الأكبر " (3)

(1) قطر الندى 23 الشاهد 6 باب المعرب والمبني.
(2) سورة 13 الرعد آية 30 (3) سورة 21 الأنبياء آية 103
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»
الفهرست