فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٦٧٢
المراد (وإيمانا في يقين) لأن العبد وإن كان موحدا لكن قد يدخله النقص في نوره المشرق في صدره فيحجب عن الله ويقف مع الأسباب فيحتاج إلى يقين يزيل حجابه ويطلق عنانه (وحرصا في علم) أي اجتهادا فيه ودواما عليه لأن العلم بحر لا ساحل له ولا منتهى فمن دخله احتاج إلى حرص يعينه عليه ويذهب بملاله ويبعثه في كل وقت إليه (وشفقة) أي خوفا ومحبة وعطفا (في مقة) بالقاف بضبط المصنف لكن رواية الحكيم معه بالعين مشتقة من المعة أمعاء البطن فالشفقة تحنن الرأفة والإكباب على من يشفق عليه وإنما يصير منكبا بشدة الرأفة فإذا كانت الشفقة بغير معة انتشرت فأفسدت وإذا كانت في معة كانت في حصن فلم تنتشر ولم تفسد لأن هنا حدا يحويها (وحلما في علم) لأن الحلم سعة الأخلاق فإذا توسع المرء في أخلاقه ولم يكن له علم فقد الهدى وإن كان ثم علم لا حلم ساء خلقه وتكبر بعلمه لأن للعلم حلاوة ولكل حلاوة شرة (وقصدا في غنى) فلا يتوسع في الإنفاق فيقع في الإسراف بل يكون وسطا فإنما هو رزق الله (وتجملا في فاقة) أي فقر بأن لا يلقي بيديه إلى التهلكة ويصبر على القلة ويرضى بالذلة ولكته يأخذ شعره ويقلم ظفره ويغسل ثوبه ويتنظف ويتطيب على قدر حاله فإن الله جميل يحب الجمال (وتحرجا) أي كفا (عن طمع) لأن الطمع فيما في أيدي الخلق انقطاع عن الله ومن انقطع عنه خذل وخسر (وكسبا من) وفي رواية في (حلال) أي سعيا في طلب الحلال فإن كل نفس فرغ ربها من رزقها فما فائدة الطلب من غير حل (وبرأ) أي إحسانا (في استقامة) بأن لا يمازجه هوى أو جور بل يكون مع صلابة في العدل حتى بين العيال والأطفال (ونشاطا في هدى) أي لا في ضلالة فإذا انبسطت نفسه ألجمها بلجام الشرع حتى لا تتعدى للفساد حال الانبساط (ونهيا عن شهوة) فإن النفس ذات شهوات فإذا أطعتها في واحدة طمعت في أخرى وهكذا حتى تشرد على صاحبها شراد البعير (ورحمة للمجهود) في عبادة أو معاش أو بلاء لأنه إذا تأمل ذلك الجهد رق قلبه من تعب ذلك البدن وفرغت نفسه له (وإن المؤمن من عباد الله) كذا وقفت عليه في خط المصنف وهو تحريف فإن لفظ رواية الحكيم الذي نسب المصنف الحديث إلى تخريجه ما نصه وإن المؤمن عياذا لله بمثناة تحتية بعد المهملة وذال معجمة أي هو الذي يعيذ المؤمنين من السوء فالمؤمن البالغ في إيمانه يعيذ العباد بفضل أمانه من جوره وظلمه ويصيرون منه في معاذ ثم وصفه فقال (لا يحيف على من يبغض) أي لا يحمله بغضه إياه على الجور عليه ولا يأثم فيمن يحب أي لا يحمله حبه إياه على أن يأثم في جنبه فإنه إذا كان كذلك كان بغضه وحبه لله وفي الله وبالله وإذا لم يكن كذلك كان بضده (ولا يضيع ما استودع) بالبناء للمجهول أي ما جعل أمينا على حفظه لشفقته على ما أودعه وائتمن عليه كشفقته على نفسه وماله لعظم قدر الأمانة عنده (ولا يحسد) لأن من أخلاق المعرفة إذا رأى لمؤمن حالا حسنة أذاعها أو دنيئة سترها فكيف يحسده (ولا يطعن) لأن الطعن يكون من الحسد أو من الغيرة والغيرة المذمومة من الشيطان فإذا طعن في الأعراض فقد هتك الستر وإنما يطعن في ستر الله (ولا يلعن) فإن اللعنة إذ صارت إلى من
(٦٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 667 668 669 670 671 672 673 674 675 676 677 ... » »»