فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٦٦٦
الجملة ففيه ما هو مذموم لكونه معربا عن باطل وجنس الشعر وإن كان مذموما في الجملة لكنه قد يكون فيه ما هو محمود لاشتماله على حكم ومنه ما يستعذب ويقضى له بالتعجب ويقصر عنه منه العامة كالسحر الذي لا يقدر عليه كل أحد فيكون صفة مدح ويسمى السحر الحلال (وإن من العلم جهلا) لكونه علما مذموما والجهل به خير منه أو المراد من العلوم ما لا يحتاج إليه فيشتغل به عن تعلم ما يحتاجه في دينه فيصير علمه مما لا يعنيه (وإن من الشعر حكما) أكد هنا وفيما مر بأن وفي بعض الروايات باللام أيضا ردا على من أطلق كراهة الشعر فأشار إلى أن الشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح وكل كلام ذو وجهين يختلف بحسب المقاصد وأما خبر الشعر مزامير الشيطان وخبر إنه جعل له كالقرآن فواهيان وبعد الإغضاء عن ذلك محمول على ما كان من غير ذلك القبيل أو على المجازفة والإفراط جمعا بين الأدلة (وإن من القول عيالا (1) قال في النهاية هو عرض الحديث على من لا يريده وليس من شأنه كأنه لم يهتد لمن يطلب علمه فعرضه على من لا يريده اه‍. وقال الراغب: العيال جمع عيل لما فيه من الثقل فكأنه أراد به الملال فالسامع إما عالم فيمل أو جاهل فلا يفهم فيسأم (د) في الأدب من حديث صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه (عن) جده (بريدة) بن الحصيب قال عبد الله بينما هو - يعني بريدة - جالس بالكوفة في مجلس من أصحابه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال فقال صعصعة بن صوحان وهو أحدث القوم سنأ صدق الله ورسوله ولو لم يقلها كان كذلك قال فتوسمه رجل من الحلقة فقال له بعد ما تفرق القوم من مجلسهم ما حملك على أن قلت صدق نبي الله ولو لم يقلها كان كذلك قال أما قوله إن من البيان سحرا أن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحبه فليسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وهو عليه وأما قوله وإن من العلم جهلا فهو تكلف العالم إلى علمه ما لا يعلمه فيجهله ذلك وأما قوله إن من الشعر حكما فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس وأما قوله إن من القول عيالا فعرضك كلامك من ليس من شأنه ولا يريده قال الحافظ العراقي في إسناده من يجهل.
2459 - (إن من التواضع لله الرضى بالدون) أي الأقل (من شرف المجالس) فمن هذب نفسه حتى رضيت منه بأن يجلس حيث انتهى به المجلس كما كانت عادة المصطفى صلى الله عليه وسلم سمي متواضعا لله حقا فالفضيلة إنما هي بالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية لا برفعه المواضع ولا بالخلع ولا بالمناصب فلو جلس ذو الفضيلة عند النعال لصار موضعه صدرا وعكسه فليحذر من هذا التنافس المذموم شرعا فإنه سم قاتل وفي ضمن هذا الحديث الأخذ بمدحة التواضع والأمر به قال بعض العارفين احذر أن تريد علوا في الأرض والزم الخمول وإن أعلى الله كلمتك فما أعلاها إلا الحق وإن

(1) قال الخطابي هكذا رواه أبو داود ورواه وغيره عيلا قال الأزهري من قولك علت الضالة أعيل عيلا وعيلا وعيالا إذا لم تدر أي جهة تبغيها قال أبو زيد كأنه لم يهتد إلى من يطلب علمه فعرضه على من لا يريده.
(٦٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 661 662 663 664 665 666 667 668 669 670 671 ... » »»