فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٥٨٨
الدواعي على مراقبة ساعات ذلك اليوم وفي خبر يجئ إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها ويوم الجمعة من تلك الأيام فينبغي التعرض لها في جميع نهاره بحضور القلب ولزوم الذكر والدعاء والنزوع عن وسواس الدنيا فعساه يحظى بشئ من تلك النفحات والأصح أن هذه الساعة لم ترفع وأنها باقية وأنها في كل جمعة لا في جمعة واحدة من السنة خلافا لبعض السلف وجاء تعيينها في أخبار ورجح النووي منها خبر مسلم أنها ما بين جلوس الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة ورجح كثيرون منهم أحمد وحكاه الزملكاني عن نص الشافعي أنها في آخر ساعة في يوم الجمعة وأطيل في الانتصار له ووراء ذلك أربعون قولا أضربنا عن حكايتها لقول بعض المحققين ما عدا القولين موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوفا استند قائله إلى اجتهاد لا توقيف وحقيقة الساعة المذكورة جزء مخصوص من الزمن وتطلق على جزء من اثني عشر جزءا من مجموع النهار أو على جزء ما غير مقدر منه أو على الوقت الحاضر وفي خبر مرفوع لأبي داود ما يصرح بالمراد وهو يوم الجمعة اثنتي عشرة ساعة إلخ (لا يوافقها) أي يصادفها (عبد مسلم) يعني انسان مؤمن عبد أو أمة حر أو قن قال الطيبي وقوله لا يوافقها صفة لساعة أي لساعة من شأنها أن يترقب لها وتغتنم الفرصة لإدراكها لأنها من نفحات رب رؤوف رحيم وهي كالبرق الخاطف فمن وافقها أي تعرض لها واستغرق أوقاته مترقبا للمعانها فوافقها قضى وطره منها، قال الشاعر:
فأنالني كل المنى بزيارة * * كانت مخالسة كخطفة طائر فلو استطعت إذن خلعت علي الدجا * فلطول ليلتنا سواد الناظر (وهو قائم) جملة اسمية حالية (يصلي) جملة فعلية حالية (فيسأل) حال ثالثة (الله تعالى) فيها (خيرا) من خيور الدنيا والآخرة وفي رواية للبخاري شيئا أي مما يليق أن يدعو به المؤمن ويسأل فيه ربه تعالى وذكر قائم غالبي فالقاعد والمضطجع كذلك (إلا أعطاه إياه) تمامه عند البخاري وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده يقللها وفيه تغليب الصلاة على ما قبلها وهي الخطبة بناء على القول الأول وأما على الثاني فمعنى يصلي يدعو ومعنى قائم ملازم ومواظب كقوله تعالى * (ما دمت عليه قائما) * [آل عمران: 75] واستشكل حصول الإجابة لكل داع مع اختلاف الزمن باختلاف البلاد والمصلي وساعة الإجابة معلقة بالوقت فكيف يتفق مع الاختلاف وأجيب باحتمال كونها متعلقة بفعل كل مصل (مالك) في الموطأ (حم م ن ه عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو وهم فقد رواه البخاري عن أبي هريرة أيضا مع تغيير لفظي يسير وذلك لا يقدح ولهذا قال الحافظ العراقي في المغني هو متفق عليه.
2312 - (إن في الجنة بابا) لم يقل للجنة إشعارا بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة ما في الجنة فيكون أبلغ في التشويق إليه (يقال له الريان) بفتح الراء وشدة المثناة التحتية فعلان من الري وهو باب يسقى منه الصائم شرابا طهورا قبل وصوله إلى وسط الجنة ليذهب عطشه وفيه مزيد مناسبة وكمال علاقة بالصوم واكتفى بالري عن الشبع لدلالته عليه أو لأنه أشق على الصائم من الجوع (يدخل
(٥٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 583 584 585 586 587 588 589 590 591 592 593 ... » »»