الطبراني ليلتقيان (على مسيرة يوم وليلة) أي على مسافتها (وما رأى) والحال أنه ما رأى (واحد منهما وجه صاحبه) في الدنيا أي ذاته فإن الأرواح إذا خلصت من كدورات النفس وخلعت ملابس اللذات والشهوات وترحلت إلى ما منه بدت وانفكت من هذه القيود بالموت تصير ذات سطوع في الجو فتجول وتحول إلى حيث شاءت على أقدارهم من السعي إلى الله أيام الحياة فإذا تردت هكذا سمعت وأبصرت أحوال الدنيا والملائكة فإذا ورد عليهم خبر ميت من الأحياء تلقاه من بينه وبينه تعارف بالمناسبة وإن لم يره في الدنيا في ذلك الفضاء على تلك المسافات وأكثر وتحدث معه وسأله عن الأخبار فسبحان الواحد القهار قال في علم الهدى: الاجتماع في عالم الأرواح أبلغ بلا نهاية له من الاجتماع في عالم الأجسام وخرج بالمؤمنين الكافران لأنهما مشغولان بالعذاب بل جعل ابن القيم الكلام في الأرواح المنعمة قال أما المعذبة ولو من المؤمنين فهم في شغل بما هم فيه عن التلافي فالمنعمة المرسلة غير المحبوسة هي التي تتلاقى وتزاور وتتذكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا ويكون كل ذي روح مع رفيقها الذي على مثل عملها (خد طب عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا أحمد قال الهيثمي ورجاله وثقوا على ضعف فيهم اه. وأقول فيه ابن لهيعة وفيه ضعف ودراج قال الذهبي ضعفه أبو حاتم وقال أحمد أحاديثه مناكير.
2275 - (إن زاهرا) بن حرام بالفتح والراء كان بدويا من أشجع الناس لا يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أتاه بطرفة أو تحفة من البادية (باديتنا) أي ساكن باديتنا أو يهدي إلينا من صنوف نبات البادية وأنواع ثمارها فصار كأنه باديتنا أو إذا تذكرنا البادية سكن قلبنا بمشاهدته أو إذا احتجنا متاع البادية جاء به إلينا فأغنانا عن الرحيل أو هو من إطلاق اسم المحل على الحال أو تأوه للمبالغة وأصله باديتنا ويؤيده أنه جاء في رواية كذلك (ونحن حاضروه) أي نجهزه بما يحتاجه من الحاضرة أو أنه لا يقصد بالرجوع إلى الحاضرة إلا مخالطتنا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وكان ذميما فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال أرسلني من هذا فعرفه فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدره وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري هذا العبد فقال إذن يا رسول الله تجدني كاسدا قال لكنك عند الله لست كاسدا (البغوي) في المعجم (عن أنس) ورواه عنه أيضا الترمذي وأحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني وغيرهم وقال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح اه. فما أوهمه عدول المصنف للبغوي واقتصاره عليه من عدم وجوده لأحد من المشاهير الكبار غير صواب.
2276 - (إن ساقي القوم) ماء أو لبنا وألحق بهما ما يفرق على جمع كلحم وفاكهة ومشموم (آخرهم شربا) وتناولا لما ذكر أي تأخيره الشرب إلى أن يستوعبهم بالسقي أبلغ في الأدب وأدخل في مكارم الأخلاق وحسن العشرة وجميل المصاحبة وهذا قاله لما عطشوا في سفر فدعا بماء قليل فجعل المصطفى صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقي حتى ما بقي غيرهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة اشرب فقال لا أشرب حتى تشرب فذكره (حم م عن أبي قتادة) الأنصاري.