فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٥٥٩
ومكافئات، روي أن أقواما من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر فخرج الإذن لبلال وسلمان وصهيب فشق على أبي سفيان وأضرابه فقال سهيل بن عمرو وكان أعقلهم إنما أتيتم من قبلكم دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة؟ ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد لهم في الجنة أكثر (تنبيه) قال القيصري: المنكر والمعروف ضدان كالليل والنهار إذا ظهر هذا غاب هذا، وفي ذلك حكمة عظيمة لمن تفطن لها فإن المعروف مأخوذ من العرف الذي هو العادة التي عرفها الناس والمنكر هو الذي أنكرته العقول والقلوب عند رؤيته فالمنكر لا أصل له فإنه مجهول ومنكور في أصل الخلقة فإن المعروف الحق الذي لم يزل ولا يزال هو الله ومخلوقاته في الملك والملكوت والعرش والجبروت لم تعرف إلا إياه ربا ولم تعرف طاعة إلا طاعته فكان التعبد له والقيام بحقه هو المعروف فقط فلما خلق آدم عليه السلام وخلق وإبليس وذريتهما وحدثت المعاصي عن الثقلين صار العصيان منكرا أي أنكره العقل لأنه لم يألفه ولم يعهده ولا له أصل في العرف المتقدم ولهذا إذا كان المنكر مخفيا غير ظاهر لا يضر غير صاحبه الذي ظهر على قلبه وجوارحه فقط لأنه شبيه بأصله لم يعرفه أحد فإذا ظهر وفشى وجب تغييره ورده إلى أصله بإنكار النفس واللسان واليد حتى لا يبقى إلا المعروف الذي لم يزل معروفا قديما وحديثا (طب عم أبي أمامة) الباهلي.
2246 - (إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدا في الآخرة) يعني في الزمن اللاحق بعد الموت وذلك لأن البطنة تذهب الفطنة وتنوم وتثبط عن الطاعات فيأتي يوم القيامة وهو جيعان عطشان وأهل الجوع في الدنيا ينهضون للعبادة فيتزودون منها للآخرة فيأتون يوم القيامة وقد قدموا زادهم فلقوه وأهل الشبع في الدنيا يقدمون ولا زاد لهم ولهذا قال الداراني مفتاح الدنيا الشبع ومفتاح الآخرة الجوع وأمثل كل خير في الدارين الخوف (طب عن ابن عباس) قال المنذري إسناده حسن وقال الهيثمي فيه يحيى بن سليمان القرشي الحضرمي وفيه مقال وبقية رجاله ثقات.
2247 - (إن أوثق) أي من أوثق (عرى الإسلام) أي أكثرها وثاقة أي قوة وثباتا (أن تحب في الله وتبغض في الله) (1) أي لأجله لا لعلة والوثيق كما في الصحاح الشئ المحكم وفي المصباح وثق الشئ وثاقة قوي وثبت فهو وثيق ثابت محكم والعرى جمع عروة وعروة القميص معروفة وعروة الكوز أذنه قال في المصباح وقوله عرى الإسلام على التشبيه بالعروة التي يستمسك بها وقال الزمخشري تستعار العروة لما يوثق به ويعول عليه (حم ش هب عن البراء) ابن عازب قال الهيثمي فيه ليث بن سليم ضعفه الأكثر.

(1) فالمراد محبة الصالحين وبغض الكافرين والحالة الغير المرضية من المسلمين.
(٥٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 554 555 556 557 558 559 560 561 562 563 564 ... » »»