فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٥١٥
2160 - (إن إبراهيم ابني) من مارية القبطية ولدته في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة قال ابن الكمال هذا ليس بإخبار عن مفهومه اللغوي لأنه خال عن فائدة الخبر ولازمها بل عن مفهومه العقلي نظير أنها لابنة أبي بكر وقال الأكمل نزل المخاطبين العالمين بكونه ابنه منزلة المنكر الجاهل وهو الذي يسميه البيانيون تجاهل العارف لنكتة هي التلويح بأن إبراهيم ابن ذلك النبي الهادي جزء منه فلذلك تميز على غيره بما سيذكر (وإنه مات في الثدي) أي في سن رضاع الثدي وهو ابن ستة عشر شهرا أو ثمانية عشر قال القرطبي هذا القول أخرجه فرط الشفقة والرحمة والحزن (وإن له ظئرين) بكسر الظاء مهمورا أي مرضعتين (1) (يكملان رضاعه في الجنة) بتمام سنتين لمونه مات قبل كمال جسمانيته وأكد الظئرين إن واللام تنزيلا للمخاطب منزلة المنكر أو الشاك لكون الظئر بعد المفارقة مظنة الإنكار لمخالفة العادة وقدم الظرف إشارة إلى أنه حكم خاص بولده لا بمن ولا يكون لغيره وجعل القائم بخدمة الرضاع متعددا إيماء لكمال العناية بكماله فإن الولد المعتنى به له ظئر ليلا وظئر نهارا والأقوم أن رضاعه في النشأة الجنانية بأن أعقب موته دخوله الجنة وتمام رضاعه باثنين من الحور أو غيرهن ومن زعم أنه في البرزخ وأنه أودع هيئة يقتدر بها على الارتضاع فيه فقد أبعد كل البعد وقد عسر على بعض الخوض في هذا المقام فجعله من المتشابه الذي اختص بعلمه العلام قال بعضهم وهذا يدل على أن حكم إبراهيم حكم الشهيد فإنه تعالى أجرى عليه رزقه بعد موته كما أجراه على الشهيد حيث قال * (أحياء عند ربهم يرزقون) * [آل عمران: 169] قال القرطبي وعليه فمن مات من صغار المسلمين بسبب من أسباب الشهادة السبعة كان شهيدا ويلحق بالشهداء الكبار وإن لم يبلغ سنهم ولا كلف تكليفهم، قال فمن قتل من الصغار في الحرب حكمه حكم الكبير ولا يغسل ولا يصلى عليه وفيه أنه سبحانه وتعالى يكمل لأهل السعادة بعد موتهم النقص الكائن في الدنيا حتى إن طالب العلم أو القارئ إذا مات كمل له حصوله بعد موته ذكره ابن القيم وغيره (حم م عن أنس) قال ما رأيت أحدا رحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إبراهيم مسترضعا في العوالي فينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخل فيأخذه فيقبله ثم يرجع فلما مات ذكره.
2161 - (إن أبغض الخلق إلى الله العالم) الذي (يزور العمال) عمال السلطان الذين يعملون ما لا يحل لأن زيارتهم توجب مداهنتهم والتشبه بهم والانحلال إلى بيع الدين بالدنيا ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه بعض الصالحين عافاك الله قد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يرحمك ويدعو

(١) أي من الحور قال في المصباح الظئر بهمزة ساكنة ويجوز تخفيفها الناقة تعطف على غير ولدها ومنه قيل للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها ظئر وللرجل الحاضن ظئر أيضا.
(٥١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 510 511 512 513 514 515 516 517 518 519 520 ... » »»