فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٥٠٥
يمينه والزكاة عند يساره وفعل الخيرات عند رجليه انتهى قال ابن القيم والحديث نص في أن الميت يسمع ويدرك وقد تواترت الأخبار عنهم بذلك وإذا كان يسمع قرع النعال فهو يسمع التلقين فيكون مطلوبا واتصال العمل به في سائر الأعصار والأمصار من غير إنكار كاف في طلبه وعورض بقوله تعالى: * (وما أنت بمسمع من في القبور) * [فاطر: 22] وأجيب بأن السماع في حديثنا مخصوص بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال فيه (تنبيه) أفتى الحافظ ابن حجر بأن الميت إنما يسأل قاعدا وأن الروح إنما تلبس الجثة حال السؤال في النصف الأعلى فقط وبأن روح المؤمن بعد السؤال في عليين وروح الكافر في سجين ولكل روح اتصال ببدنها وهو اتصال معنوي لا يشبه الاتصال في حال الحياة بل أشبه شئ به حال النائم ويشبهه بعضهم بشعاع الشمس بالنسبة إليها وبه جمع ما افترق من الأخبار أن محل الأرواح في عليين وفي سجين ومن كون الأرواح عند أفنية قبورها كما نقله ابن عبد البر عن الجمهور وبأن الميت يسمع التلقين لوجود الاتصال المذكور ولا يقاس على حال الحي إذا كان بقعر بئر مردوم مثلا فإنه لا يسمع كلام من هو على البئر (طب عن ابن عباس) رضي الله عنه قال الهيثمي رجاله ثقات.
2136 - (إن الناس) المطيقين لإزالة الظلم مع سلامة العاقبة (إذا رأوا الظالم) أي علموا بظلمه (فلم يأخذوا على يديه) أي لم يمنعوه من الظلم بفعل أو قول قال ابن جرير وخص الأيدي لأن أكثر الظلم بها كقتل وجرح وغصب (أوشك) بفتح الهمزة والشين أي قارب أو أسرع (أن يعمهم الله بعقاب منه) إما في الدنيا أو الأخرى أو فيهما لتضييع فرض الله بغير عذر وزاد قوله منه زيادة في التهويل والزجر والتحذير وقد أفاد بالخبر أن من الذنوب ما يعجل الله عقوبته في الدنيا ومنه ما يمهله إلى الآخرة والسكوت على المنكر يتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل من المظلمة للخلق وقد تبين بهذا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية لا عين، إذ القصد إيجاد مصلحة أو دفع مفسدة لا تكليف فرد فرد فإذا أطبقوا على تركه استحقوا عموم العقاب لهم وقد يعرض ما يصيره فرض عين وأما قوله تعالى: * (عليكم أنفسكم) * [المائدة: 105] فمعناه إذا فعلتم ما كلفتم به لا يضركم تقصير غيركم (1) وفيه تحذير عظيم لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن فكيف بمن رضى فكيف بمن أعان؟ نسأل الله السلامة. أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف أوحى الله إلى يوشع عليه السلام إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يؤاكلونهم ويشاركونهم، واعلم أنه قد يقوم كثرة رؤية المنكر مقام الارتكاب فيسلب القلوب نور التمييز والإنكار لأن المنكرات إذا كثر ورودها على القلب وتكرر في العين شهودها ذهبت عظمتها من القلوب شيئا

(1) أي ومما كلف به الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا فعله ولم يتمثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه فإنما عليه الأمر والنهي.
(٥٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 500 501 502 503 504 505 506 507 508 509 510 ... » »»