فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٣٦٨
رزقنا فقال هؤلاء قوم حمق هذا لا يصح إلا لمن كان له يقين كيقين إبراهيم وفسر المبتذل بقوله (الذي لا يبالي ما لبس) أهو من الثياب الفاخرة أو من أدنى اللباس وأقله قيمة لأن ذلك هو دأب الأنبياء وشأن الأولياء ومنهج الحكماء قال بعضهم البس من الثياب ما يخدمك ولا يستخدمك وقال العتبي أخزى الله من ترفعه هيئة ثيابه وماله لا أكبراه همته ونفسه وإنما لهيئة للأدنياء والنساء والتزين باللباس للرجال من المعايب والمذام، إذ هو من صفة ربات الحجال قال الغزالي الذين ينظفون ثيابهم ويزينوها ويطلبون الثياب الرفيعة والسجادات الملونة لا فرق بينهم وبين العروس التي تزين نفسها طول النهار ولا فرق بين أن يعبد الإنسان نفسه أو يعبد صنما، ومن راعا في ثوبه شيئا غير كونه حلالا وطاهرا بحيث يلتفت إليه قلبه فهو مشغول بنفسه، فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه ويربأ بنفسه عنه ويعيش مخشوشنا متمعددا أو إن أراد أن يزين نفسه زينها من باطنه بلباس التقوى وقال حجة الإسلام البس ما يدفع الحر والبرد ويستر العورة وهو كساء يغطي به رأسه وأوسطه قميص وقلنسوة ونعلان، وأعلاه أن يكون معه منديل وسراويل روي أن يحيى بن زكريا عليهما الصلاة السلام لبس المسوح حتى نقب جلده فقالت له أمه البس مكان المسح جبة من الصوف ففعل فأوحى الله إليه يا يحيى آثرت علي الدنيا فبكى ونزعها وعاد لما كان وقال أحمد بلغ أويس من العري إلى أن جلس في قوصره قال أحمد الغزالي وكانت قيمة ثوبي رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم واحتذى نعلين جديدتين فأعجبه حسنهما فخر ساجدا وقال تواضعت لربي خشية أن يمقتني ثم خرج بهما إلى أول مسكين لقيه فأعطاه إياهما، وعد على قميص عمر رضي الله عنه اثني عشر رقعة من أدم، واشترى علي كرم الله وجهه ثوبا بثلاثة دراهم فلبسه وهو خليفة وقطع كميه من رسغه وقال الحمد لله الذي هذا من رياشه وفي تاريخ ابن عساكر أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام تلقته الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء وقد خلع خفيه فجعلهما تحت إبطه فقيل له يا أمير المؤمنين الآن تلقاك الجنود وأنت على هذا الحال قال إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نلتمس العز بغيره (هب) من حديث ابن لهيعة عن عقيل عن يعقوب بن عتبة عن المغيرة بن الأخنس (عن أبي هريرة) ثم قال أعني البيهقي كذا وجدته في كتابي والصواب عن يعقوب عن المغيرة مرسلا انتهى وعزاه المنذري للبيهقي وضعفه.
1873 - (إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف) أي المتكلف في طلب المعاش بنحو صناعة وزراعة وتجارة وذا لا ينافي التوكل. مر عمر رضي الله عنه بقوم فقال ما أنتم قالوا متوكلون قال لا بل أنتم متأكلون إنما المتوكل من ألقى حبه في الأرض وتوكل على ربه فليس في طلب المعاش والمضي في الأسباب على تدبير الله ترك التفويض والتوكل بالقلب إنما ترك التوكل إذا غفل عن الله وكان قلبه محجوبا فإذا اشتغل بالمعاش وطلبه بقلب غافل عن الله تعالى فصار فتنة عليه وأخرج البيهقي عن ابن الزبير قال أشر شئ في العالم البطالة وذلك أن الإنسان إذا تعطل عن عمل يشغل باطنه بمباح يستعين به على دينه كان ظاهره فارغا ولم يبق قلبه فارغا بل يعشعش الشيطان ويبيض ويفرخ فيتوالد فيه نسله
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»