المواقف - الإيجي - ج ١ - الصفحة ١٠٦
والجواب أن الإمكان أي إمكان نقائض ما جزمنا به من العاديات لا ينافي الجزم بالوقوع أي وقوع تلك الأمور العادية جزما مطابقا للواقع ثابتا لا يزول بالتشكيك أصلا كما في بعض المحسوسات فإنا نجزم بأن هذا الجسم شاغل لهذا الحيز في هذا الآن جزما لا تتطرق إليه شبهة مع أن نقيضه ممكن في ذاته فقد ظهر أن الجزم في العاديات واقع موقعه وليس فيها احتمال النقيض القادح في الجزم وأما احتمال النقيض بمعنى إمكانه الذاتي فليس بقادح فيها كما في المحسوسات اليقينية وقد مر ذلك في تعريف العلم الشبهة الثالثة لمنكري البديهيات فقط أن يقال للأمزجة والعادات تأثير في الاعتقادات فقوي القلب بحسب المزاج يستحسن الإيلام ولا يستقبحه بل ربما يلتذ به وضعيف القلب يستقبحه جدا ولذلك نرى بعضهم لا يجوزون ذبح الحيوانات للانتفاع بأكلها ومن مارس مذهبا من المذاهب حقا كان أو باطلا واعتاد به برهة من الزمان ونشأ عليه فإنه بمجرد اعتياده به من غير أن يلوح له ما يظهر به حقيته يجزم بصحته وإن كان باطلا وبطلان ما يخالفه وإن كان حقا فجاز أن يكون الجزم من بديهة العقل في الكل أي كل ما حكمت به لمزاج أو عادة عامين لجميع أفراد الإنسان المتفقين في البديهيات فلا تكون يقينية كالقضايا الصادرة من الأمزجة والعادات المخصوصة لا يقال نحن نفرض أنفسنا خالية عن جميع الأمزجة والعادات ومع ذلك نجد من أنفسنا الجزم بهذه الأمور البديهية فالحاكم فيها صريح العقل بلا تأثير من مزاج أو عادة لأنا نقول لا نسلم إمكان فرض الخلو عن جميع الأمزجة والعادات إذ قد لا نشعر ببعض من الهيئات المزاجية أو العادية فكيف نفرض الخلو عن ذلك البعض مع عدم الشعور به ولئن سلم إمكان فرض الخلو عن الجميع فلا يلزم من فرض الخلو الخلو في نفس الأمر ألا يرى أن البخيل لا يزول عنه بخله بمجرد فرض خلوه عنه ولعل عادة
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»